مئات النماذج من الأعمال الفنية والدرامية والسينمائية قدمت نموذج البطل مخالف للفطرة السليمة نموذج القاتل، أو السكير، أو اللص أو تاجر المخدرات، والبلطجي بصور محببة للشجاعة والاقدام وربما فعل الخير، أو التماس الأعذار للقاتل لكونه ضحية ظروف اجتماعية قاهرة وما شابه.
وحمل الطفل للسلاح منذ نعومة أظافره عبر الالعاب الالكترونية اما للدفاع عن النفس او لقتل الاعداء او السطو على أحد البنوك، يعد تدريبا عمليا للطفل على حمل السلاح وتصويبه عندما يكبر في وجه أي مخالف له بالرأي أو العمل او الاسرة والمجتمع.وهكذا حول الاعلام بوسائله المختلفة المجرم الى بطل يحتذى به عند الاطفال والناشئة، والنتيجة الحتمية اتنشار الجرائم بكل سهولة دون وخز لالم الضمير أو الخوف من العقاب الدنيوي والاخروي.تعددت الاسباب التي قادت مجتمعاتنا نحو انتشار الجرائم، ومنها المجتمع الاسري عندما يدلل أبنائه تدليلا زائدا او يهمل في اشباعهم عاطفيا ونفسيا مع غياب ملحوظ للوزاع الديني السليم.ففي الماضي تمتعت المجتمعات العربية بصحة وعافية اجتماعية من الجرائم بسبب محافظتها على تربية النشئ تربية سليمة بعيدة عن الغلو العاطفي أو الإهمال مع التعليم الجيد والثقافة الدينية التي تربي الضمير لدى الانسان وتحصنه من الوقوع في فخاخ الجرائم.أما اليوم فصارت الجرائم بسبب وبغير سبب، بين المخاصمين والمحبين ايضا، فكم شاهدنا من جرائم بشعة باسم الحب، فاذا كان الحب هو طاقة نور وايمان حقيقيين فكيف تحول الى طاقة ظلمانية شيطانية في غمضة عين وصار دافعا للقتل؟ وهناك الكثير من الجرائم حدثت باسم الحب وارتكبها العشاق، فهل الحب مبرر للقتل وكيف يقتل حبيب حبيبه؟وهذا يعكس خللا اجتماعيا وعقدا نفسية أطلت برأسها كالغربان تنهش في لحم الابرياء وتسلبهم حق الحياة الآمنة، ولاشك ان مرتكب الجريمة مريض بالتسلط وحب التملك والسادية، ومع توفر المخدرات و السلاح لدى الشباب باتت أدوات الجريمة جاهزة لتنفيذ ارادة الشخصيات النرجسية والسادية لارتكاب الجريمة بكل سهولة و مع قلة الدين او مع الغلو بالدين الذي تم تشويهه من قبل الضلاليين الذين برروا الكثير من الخروقات الامنية المجتمعية و القانونية بمبررات دينية واشاعوا الفوضى ونشروا الجريمة التي ألبسوها ثوبا دينيا و الدين منها بريء وخاصة ض? المرأة و ضد من يخالفهم الرأي و الدينوتبنت المدارس والمعاهد والمنابر الدينية قضايا غطاء الرأس دونا عن باقي القضايا الهامة كالاخلاق والالتزام و المسوولية والاحترام وبر الوالدين ومساعدة الفقراء وبناء الوطن ومحاربة الرذيلة ومشوهي مفاهيم الحرية المحترمة وتحريفها الى الابتذال ومساندة الانحراف عن المسرى الطبيعي للإنسان ودعم الخلل الاخلاقي على أنه ليس مرض يجب علاجه بل إنه امر يجب التعايش معه.كل هذه القضايا همشها المسؤولون عن تربية المجتمع و تأهيله وتوجيهه متعمدين وقاموا بإلهاء الناس بقضية واحدة هي غطاء الرأس فقط ليعتقد الناس انهم بأمر بسيط يستطيعون تغطية العيوب والاخطاء ومداراتها بدلا من بذل مجهود في إصلاحها،تماما كما لو يكن في الحائط خدش كبير فلا نقوم باصلاحه وانما بتغطيته بلوحة جميلة، ولكن مع الأيام سيكبر الخدش ويقع الحائط على أهل الدار.اننا نعيش كارثة حقيقة بكل المقاييس في مختلف أرجاء اوطاننا العربية في ظل تنامي جرائم القتل والذبح، ولا سبيل لوقف سيل الجرائم هذه دون محاربة مظاهر العنف في افلام الأكشن والرعب والمسلسلات الدرامية والعاب الكارتون و"التيك توك».فعلى المجتمعات العربية وانظمتها الحاكمة ومؤسساته الحاكمة أن تتعاون فيما بينها لإصدار قوانين لضبط ما تبثه السوشيال ميديا، وقوانين اخرى لوقف العنف في الأفلام.أعرف انه كان لدى المؤسسات الثقافية أجهزة رقابية تعمل على ضبط الاعمال الفنية حماية لأمن وسلامة المجتمع من نشر الرذائل والجرائم ولا يتم عرض أي مصنف فني دون اجازة من هذه الاجهزة الرقابية، فأين هذه الاجهزة الآن، ولماذا اختفت أو تلاشت أدوارها في حماية المجتمع من الافكار المسمومة بالأعمال الفنية.ولما كان الاعترف بالمشكلة هو بداية الطريق لعلاجها، فعلينا الاقرار بحقيقة ان البيئة العربية قد تغيرت وطالها من الافساد الاخلاقي والديني والاجتماعي الكثير والكثير، والانسان بطبعه يتأثر بكل معطيات البيئة التي يعيش فيها ويتشرب قيمها وسلوكها.والبيئة المعاصرة اليوم هي بيئة اعلامية تكنولوجية فنية تشكل عقل الانسان ووجدانه الافكار توجه سلوكه وتحثه على التقليد الاعمى تحت مسميات عديدة كصيحات الموضات والترندات والبراندات وتغذية الانفس البشرية بكل ما هو مادي بعيدا تماما عن تغذية العقول والقلوب والارواح بما يفيد الانسان ويرتقي به.بيئة افلام الاكشن والجريمة والمخدرات والسلاح والفكر المتطرف، وكلها تربي الاجيال بينما أرباب الأسر مشغولون بالعمل المجهد في تلبية احتياجات ابنائهم المادية المتوالية والمتسارعة واللا نهائية، فلم يعد لديهم وقت للقيام بدروهم التربوي والرقابي او حتى الدور الرئيسي في اشباع الاحتيجات العاطفية لابنائهم.وكل هذه العوامل البيئية تخرج الانسان عن فطرته الى سلوك منحرف وغير اخلاقي يقوده لارتكاب الجرائم بسهولة. وقضية الجرائم ـ برأيي مسئولية المجتمع كله أرباب الاسر والمؤسسات الثقافية والتعليمية والاعلامية والدينية والتربوية، ولكل منها دوره في محاربة الفن الهابط، وافلام الرذيلة والعنف والمخدرات، ومناهضة سموم السوشال ميدياوالحاجة الماسة تفرض على مجتمعاتنا العربية الاسراع في سن قوانين لمعاقبة المجرمين ومن يحرضون على الاجرام، ونشر الوعي الثقافي لأرباب الأسر على طرق التربية الواعية بمشكلات الواقع وتنمية عقول ابنائهم وفقا لمنطق المرونة بالتفكير، وغرس قيم قبول الاخر و التفاهم والحوار البناء مع الاخرين.كما أن الواقع يفرض علينا مصاحبة الشباب وتوعيتهم عبر منابر المدراس والجامعات والمساجد والكنائس والإعلام والمؤسسات الرياضية، بخطورة الفنون الهابطة وافكار السوشال ميديا، وتثقيفهم على كيفية ضبط انفعالاتهم عند الغضب وسبل التعامل مع الضغوط الاقتصادية والاجتماعية التي يواجهونها.
مدار الساعة (الرأي) ـ