أستبعد، تماما، أن يكون للحكومة، او لأي مسؤول بإدارات الدولة، أي يد فيما حدث لـ»تلفريك « عجلون الذي تم إغلاقه لمدة يوم للصيانة، استبعد، أيضا، أن يكون لهؤلاء أي علاقة بأكثر من أربعة حوادث قتل داخل العائلة الواحدة، ثاني ايام العيد، استبعد، ثالثا، أي دور رسمي فيما نعانيه، كأردنيين، على صعيد انتشار النميمة الاجتماعية والسياسية، أو القطيعة بين الارحام والجيران، أو «التسفل « الأخلاقي لدى البعض، أو عدم قيام الأسرة بواجباتها تجاه الأبناء.. الخ من التحولات التي جرت على صعيد حياتنا، وعلاقاتنا مع بعضنا بعضا.
ما أريد أن أقوله : نحن في العادة نُحمّل إدارات الدولة، بلا استثناء، مسؤولية كل ما يحدث من أخطاء في بلادنا، ونتغافل، عن قصد أحيانا، عما فعلناه ونفعله بأنفسنا، من آثام وخطايا، صحيح، للأطراف الرسمية أخطاؤها التي لا تحصى، وانتقادنا لها يقع في باب الواجب الوطني، كما أن بعض ممارساتنا تعكس ممارساتها وافرازات لمقرراتها، لكن الصحيح، أيضا، أن مجتمعنا ليس بريئا، كما أن الأردنيين ليسوا ملائكة، وبالتالي يجب أن نعترف، دائما، أن حالنا ليس أفضل من حال المسؤولين عنا، وأن ما نرتكبه من أخطاء يساوي، او ربما يزيد، عما يرتكبونه، نحن، اذاً، وجهان لعملة واحدة، لا تستقيم إلا إذا صلُح الطرفان معا.
قائمة ما فعله الأردنيون بأنفسهم تبدو طويلة وتاريخية أيضا، من يدقق بتفاصيلها، على مدى العقود الماضية، سيكتشف حجم الظلم والخطأ والتقصير الذي ألحقناه بأنفسنا وببلدنا، بقصد او بدون قصد، سيكتشف، أيضا، أن بعض النخب التي تصدّرت صفوفنا، وزعمت أنها تمثلنا، لم تكن تمثلنا، وإنما كانت تُمثّل علينا، كما أنها لا تستحق أن تحظى بثقتنا، سيكتشف، ثالثا، أن التحولات التي طرأت على شخصيتنا أفرزت منا أسوأ ما فينا، حيث الكراهية والضغائن والشيزوفرينيا الاجتماعية، و حيث الانحياز لنزعة الانتقام، حتى لو من انفسنا، المشكلة دائما هي أننا نضع اللوم على غيرنا، ثم نصر على نقد الآخرين وتجريحهم، نراهم عُمياناً، ولا نرى أي قذًى في أعيننا.
مرة أخرى، هذه ليست شهادة براءة للرسمي والنخب المسؤولة، ولا شهادة إدانة للشعبي والنخب في مجتمعنا، بقدر ما هي شهادة اعتراف بتقاسم مسؤولية الأخطاء والخيبات، وضرورة الشراكة بالإصلاح، لا يمكن لبلدنا أن ينهض من كبوته قبل أن نتصارح بأننا جميعا أخطأنا بحقه: العمال والفلاحون، المعلمون والموظفون، النساء والرجال، لكل منهم نصيب فيما وصلنا إليه، حصل ذلك حين صمتنا عن اخطاء المسؤولين عنا، او تواطأنا معهم، وحين أهملنا ارضنا، وحين تنازلنا عن رعاية أسرنا، وتربية أولادنا، وحين تصورنا أن الوظيفة العامة سلطة وليست خدمة، وحين تعاملنا مع طلبتنا بمنطق «الفهلوة»، ولم نتعامل مع تعليمهم كرسالة، وهكذا انتقلت عدوى الخطأ والعجز من الناس للمسؤولين عنهم، وبالعكس أيضا.
مشكلة، أن يكون أحدنا مشروع «فاسد جاهز « ثم إذا طالت يداه تحوّل إلى فاسد ماهر بامتياز، مشكلة، أيضا، أن نظل نصرخ بوجه المسؤولين لمكافحة الفساد واجتثاثه، وحين يتورط أحد أقربائنا نفزع للمطالبة بتبرئته، مشكلة أن تتحول شوارعنا إلى ساحة للصراع وتبادل الشتائم، وحين نضبط مسؤولا متجاوزا، نتجاهل ما فعلنا، ونصب جامّ غضبنا عليه، مشكلة حين ينام جيراننا جائعين ونحن نقيم الموائد ونفرغها في الحاويات، ثم لا نتذكر سوى الحكومة لإدانتها بتجويع الأردنيين، وكأننا لا نتحمل معها مسؤولية ذلك، مشكلة حين نمارس النفاق ونراه مشروعا، بالنسبة لنا، لتحقيق مصالحنا، ثم نرجم غيرنا بأبشع الأوصاف حين يمارسونه.
مثلما نتدافع، ونستميت، أحيانا، لانتقاد الحكومات ومؤسسات الدولة، ونشهر عدم ثقتنا بها، ونطالبها بإعلان إنجازاتها، وتحقيق مطالباتنا، يا ليت أننا نتدافع لانتقاد انفسنا، ومحاسبة النخب التي تدّعي تمثيلنا، يا ليت أننا نستميت لتقديم إنجازاتنا وتجاوز اخطائنا، إذا فعلنا ذلك، أكيد سنفرز حكومات وادارات دولة نستحقها وتستحقنا، ومسؤولين يشبهوننا، و مجتمع منتج ومنجز نفتخر به، أكيد..لأن (الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم).