مدار الساعة - تدفع مجموعة من العادات المالية السيئة أصحابها نحو المرور بأوقات عصيبة بعد تبديد ما يملكون من مال، وقد يصل الأمر بهم إلى أن تتراكم عليهم الديون، ما يحتم ضرورة تغيير تلك العادات واستبدال أخرى إيجابية بها، تمكنهم من الأمان المالي.. فما هي أشهر هذه العادات؟ وكيف يمكن تجنبها؟
تحفل المجتمعات العربية بعديد من تلك العادات التي تطغى على الإنفاق العام للأسر، وقد لا يشعر البعض بتبعاتها المالية المرهقة على ميزانيات الأسر في الفترات العادية، إلا أنه في فترات الأزمات الاقتصادية -مثل الفترة الحالية- تدرك كثير من تلك الأسر ضرورة مراجعة عاداتها من أجل التغلب على التحديات التي تفرضها هذه الأزمات.
عشوائية الإنفاق
تنطلق معظم هذه العادات من إشكالية واحدة وهي "عشوائية الإنفاق والإدارة المالية"، وهو ما يتحدث عنه الخبير الاقتصادي الأردني حسام عايش، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، والذي يشير إلى أن هنالك عشوائية لدى الأسرة العربية في تنظيمها للإنفاق الذي لا يتسم بالذكاء في كثير من الحالات، لجهة "استهلاك ترفي" لا يُلبي المتطلبات الأساسية للأسرة، الأمر الذي يؤدي إلى حدوث فجوة بين الدخل والإنفاق في كثير من الأحيان.
وفيما تعاني بعض الأسر من عجز بالإنفاق الذي يزيد عن دخلها، يشير الخبير الاقتصادي إلى أن تلبية الاحتياجات وسد عجز الإنفاق يؤدي إلى أن كثيراً من الأسر تحاول سد ذلك العجز عن طريق الديون أو الاستدانة غير المباشرة عبر وسائل مختلفة مقل بيع الأصول لسد الفجوة التي تعكس هدراً في الإنفاق.
ويعدد الخبير الاقتصادي بعض عادات الإنفاق السيئة لدى المواطن العربي والتي تدفعه نحو خسارة دخله بشكل سريع:
إنفاق لا يتم الاستفادة منه: من خلال الإقبال على العروض في المولات التجارية والهوس بشراء كل ما هو جديد (حتى لو ليست هنالك حاجة ماسة إليه) مثل الهواتف النقالة الحديثة.
أغلب هذه المظاهر تكلف الأسر العربية نفقات كبيرة تؤدي إلى عدم القدرة على سداد التكاليف أو الديون.
التسوق باعتباره جزء من الترفيه للأسرة: من خلال شراء الأشياء فقط لأن أسعارها قد تبدو أرخص!
البعض يقوم بشراء منتجات لا يستعملها لوقت طويل، وبالتالي تذهب أموالهم هدراً، أو قد لا يملك الشخص الاحتفاظ بها بشكل سليم كالمواد الغدائية التي يتم شراؤها بكميات أكبر من الحاجة، وبالتالي تتلف وتضيع قيمة المبلغ الذي دُفع فيها.
وسائل التواصل الاجتماعي أيضاً لها دور في تغيير عادات المواطنين؛ فعلى سبيل المثال تسببت في إقبال الكثير من الأسر على شراء أحدث نسخ الهواتف المحمولة بهدف الظهور بمظهر مُتميز عن الآخرين أو لأن ذلك يشبع رغبات داخلية لديهم ما يؤدي لمزيد من الإنفاق.
عدم التخطيط الجيد: على سبيل المثال يمكن لأسرة واحدة استخدام أكثر من سيارة (سواء خاصة أو أجرة) للذهاب لأماكن متقاربة (رغم أنه يمكن استخدام سيارة واحدة لتوفير المال) أو بالتردد على مكان واحد (مثل المولات أو السوبر ماركت) أكثر من مرة لشراء احتياجات مختلفة مختلفة.
ومن بين أبرز المظاهر أيضاً في هذا السياق "في المنازل تتجمع الأسر عادة في مكان معين داخل المنزل، لكن يتم استخدام إضاءة كل الغرف، وهو استهلاك وضغط على الحمل الكهربائي العام للدولة، بخلاف زيادة تكلفة فاتورة الكهرباء على الأسرة، إضافة إلى عدم الاهتمام بصيانة الأجهزة والأدوات الصحية وغيرها في المنزل، ما قد يؤدي إلى تلفها وتحميل تكاليف إضافية"، بحسب عايش.
حمى "المظاهر"!
ويضيف: "كثير من الأسر العربية تعتني بالمظاهر التي تؤدي إلى كثير من الإنفاق الاستهلاكي دون عائد حقيقي، وهو ما لا يخدم المصلحة الحقيقية لا للأسرة ولا للفرد.. كما أن الأسرة العربية لا تفكر بالدخل باعتباره سقفاً للإنفاق، لكنها تعتبره وسيلة للإنفاق دون وضع سقف أو نسبة لهذا الإنفاق، فالبعض من الممكن أن ينفق راتبه كاملاً على مناسبة ما ليبقى باقي الشهر يعاني إفلاساً حقيقياً!" .
كما يلفت الخبير الاقتصادي في الوقت نفسه إلى أن "الكثير من أفراد الأسرة العربية يغامرون باستثمارات لا يعرفون كيفية التعامل معها، لاسيما مع إغراءات الربح السريع من ورائها، تذهب بأموالهم وربما بمدخراتهم، وبالتالي من بين العادات السيئة استثمار الأموال في غير محلها ورما أيضاً بطرق غير قانونية فتكون النتيجة ضياع المدخرات والدخول في مشكلات أخرى".
كل تلك العادات السيئة تؤدي ربما إلى تفاقم مديونية الأفراد، بحسب عايش، والذي يشير إلى أنه في الأردن تقترب مديونية الأفراد من 12 مليار دينار، وأن فوائد تلك المديونية ترتفع بشكل كبير مما يستنزف جزءاً مما كانت تنفقه الأسرة على احتياجاتها الأساسية للوفاء بسداد الأقساط والفوائد التي ارتفعت بعد رفع أسعار الفوائد.
كما يلفت إلى أن القيمة الشرائية للدخل تتراجع بشكل كبير، بينما الدخل نفسه لا يزداد مع توسع الحاجات بشكل كبير أيضاً، ما يؤدي لظهور فجوة بين الإنفاق والدخل، كل ذلك مصحوباً بانخفاض العائد من مصادر دخل إضافية ربما تلجأ إليها الأسرة لتحسين وزيادة الدخل.
وينوه الخبير الاقتصادي إلى أن أي متغير عن السياق التقليدي للإنفاق يؤثر على التوازن المالي للأسرة، وربما يدخلها في إشكاليات تتعلق بكيفية الإنفاق، مشيراً إلى أن بعض الأسر العربية تتبع ثقافة "اصرف ما في الجيب يأتيك ما في الغيب"، ولا تفكر بالادخار، لذلك فالجميع يعاني من عجز بين دخله وإنفاقه.
الإنفاق غير العقلاني.. والتسوق اليومي
من الجزائر، يقول الخبير الاقتصادي، مراد كواشي، في حديثه لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن من أخطر العادات التي تفقد المواطنين جزءاً كبيراً من أموالهم، هي:
"الانفاق بطريقة غير عقلانية أو مدروسة"، خاصة في المواسم التي يأتي على رأسها موسم شهر رمضان، الذي يعرف زيادة في حجم التبذير، ويؤدي إلى أن أموال كبيرة تذهب إلى القمامة عبر بقايا الطعام!
التسوق غير المدروس في المولات والمراكز التجارية الكبرى خاصة التي تروج إلى عروض تخفيضية، وهي أيضاً عادة أخرى تؤدي إلى فقدان المال، والقيام بذلك بشكل يومي بهدف عدم تفويت العروض!
ويشير الخبير الاقتصادي إلى أن حجم إنفاق المواطن العربي زاد مقارنة بالعام الماضي، وتعاني الأسر من تضخم بالإنفاق، لكن على الرغم من تلك الزيادة بالإنفاق إلا أن حجم السلع التي يتم الحصول عليها أقل من العام الماضي، مرجعاً ذلك إلى ارتفاع معدلات التضخم والأسعار، وأن غالبية الأسر العربية على الرغم من زيادة الإمكانات المالية والأجور والمعاشات لديها لكن مع زيادة التضخم زاد الإنفاق في ضوء الضغوطات الاقتصادية الحالية.
وينصح الخبير الاقتصادي الجزائري، المستهلكين بأن تكون لديهم ثقافة استهلاكية وتسويقية حقيقية، مشيراً إلى أن أغلب الدول المُتقدمة تخصص في المناهج المدرسية ما يسمى بـ "الاقتصاد المنزلي" وهو برنامج تنظيمي لإدارة شؤون الأسرة الاقتصادية والمالية، ليتمكن الناس من الحصول على المواد التي يحتاجونها في وقتها المناسب وبأسعار وكميات محددة. ولذ يتعين تغيير ثقافة الاستهلاك لدى الوطن العربي.
ثقافة الاستهلاك
وفي السياق، يشير الخبير الاقتصادي، مصطفى بدرة، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إلى أن ثقافة الاستهلاك لدى المجتمع العربي تختلف عن الأوروبي، موضحاً أن المواطن العربي لديه عادة الإفراط في الشراء، ذلك على الرغم من أنه في أوروبا مستوى الدخل أعلى، لكن المواطن فيها يُقنن شراءه للسلع الغذائية بالأخص.
ويتابع قائلا: الأسر العربية ليست لديها ثقافة ضبط عملية الشراء، وأغلب المواطنين يقبلون على شراء سلع ترفيهية مثل الإكسسوارات أو السيارات وكمالياتها أو الهواتف المحمولة، بينما في أوروبا سوق الاستهلاك أقل.
ويذكر أنه في المواسم والمناسبات المختلفة يتضاعف حجم الاستهلاك والإنفاق لدى الأسر العربية، مستدلاً على ذلك بالتقارير التي تتحدث عن معدلات استهلاك الأسر العربية من الطعام (قاعدة بيانات "فيتش سوسوليوشنز" التي أظهرت متوسط إنفاق الأسر على الطعام في 15دولة عربية، حيث تصدرت الدول الخليجية القائمة بمتوسط إنفاق يصل إلى 1415 دولار شهرياً).
"الفيزا كارد"
وعن العادات المالية السيئة، يتحدث الخبير الاقتصادي عن أثر البطاقات الإلكترونية بأشكالها المختلفة، والتي تشجع على الاستهلاك عوضاً عن النقود الكاش، مشدداً على أن تلك العادة تعد من الأخطاء الاستهلاكية التي يرتكبها أي شخص لجهة الإفراط فيها.
ويشدد على عامل "الإفراد في الاستهلاك" ضمن العادات السيئة، ذلك أنه أحياناً يخرج الأمر عن المألوف وتصبح هناك عملية استغلال من قبل شريحة من المواطنين يقبلون على شراء كميات كبيرة من السلع الغذائية، باستخدام تلك الكروت، وهم ليسوا في حاجة لها (لهذه السلع).
كما يوضح أن حجم التضخم يكون له تأثير على حجم الإنفاق، فهو يتسبب في زيادة على الطلب والإقبال على الشراء (بهدف التخزين خشية المزيد من ارتفاع الأسعار)، إلا أن الأمور تأتي بنتيجة عكسية بسبب ندرة المعروض.
ووفقًا لآخر نسخة من مسح التطورات الاقتصادية والاجتماعية في المنطقة العربية الذي أصدرته اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا)، فإن حجم التضخم في المنطقة العربية قد بلغ 14 بالمئة في العام 2022، متوقعا أن ينخفض في العامين المقبلين ليصل إلى 8 و4.5 بالمئة، على التوالي.
تغير الأولويات
على الجانب الآخر، تقول خبيرة أسواق المال، حنان رمسيس، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن المستهلك في العالم العربي اختلفت سلوكياته وتفضيلاته عن ما كانت عليه من قبل بسبب الأزمات العالمية التي يتعرض إليها، مشيرة على سبيل المثال إلى ثقاقة تخزين السلع التي ارتبطت في السابق بالمواسم والأعياد بينما تغيرت في الوقت الحالي للتخزين اليومي بفعل الأزمات العالمية التي تمر بها الدول وارتفاع أسعار السلع الأساسية، إضافة إلى ارتفاع معدلات التضخم وانخفاض القيمة الشرائية للنقود.
وتلفت إلى أن أغلب الشعوب باتت لديها مخاوف من الركود الاقتصادي أو تفشي الأوبئة والأمراض، وبالتالي أصبح هناك توجه للاحتفاظ بالنقود في صورتها حتى يتمكنوا من الوفاء بالالتزامات الخاصة بهم في الوقت المناسب، موضحة أن الشعور بالأمان واستقرار الأوضاع يجعل المتعامل يتجه إلى الاستثمار بينما المخاوف توجهه إلى الملاذات الآمنة.
وتشير في الوقت نفسه إلى أن أزمة كورونا غيرت من ثقافة الشراء وتوفير الاحتياجات، ودفعت غالبية المواطنين نحو سوق الأونلاين والتعامل باستمرار مع عروض الأونلاين المُخفضة، إلى جانب كسل فئة عن التسوق المباشر، وعلى أثر ذلك يفقد الكثيرين جزءاً من دخلهم.
وتذكر أن الظروف الاقتصادية الأخيرة غيرت من المواطن وجعلته ينفق بالكم المناسب حتى يستطيع أن يسد احتياجاته والتزاماته، مشيرة إلى الولائم والمآدب التي كانت تقام بمناسبة وغير مناسبة، بينما في الوقت الحالي ترتبط أكثر بالمناسبات.
كما توضح رمسيس أن توجهات إنفاق المواطنين تختلف من دولة لأخرى (..). كما ترصد في الوقت نفسه عدداً من النصائح عن كيفية التوصل إلى الاستقرار والأمان المالي، على النحو التالي:
ترتيب أولويات الإنفاق على مدار الشهر.
تحقيق التوازن بين احتياجات الشخص وما يطمح إليه.
قبل إنفاق المال يمكن أن يتم ضمان فائض يقوم الشخص بالإدخار من خلاله سعياً لاستثماره، ثم البدء في تحقيق احتياجاته.
هناك ضرورة للبحث عن مصدر دخل آخر يتواكب مع احتياجات الشخص إن كان راتبه ضعيفاً، فإذا كان معتمداً فقط على راتبه الشهري لن يكفيه بأي حال من الأحوال لتحقيق بند واحد مما يطمح إليه، فمن الصعب أن يدخر والفوائض يكون من خلال دخل كافي للحياة اليومية.
سكاي نيوز