مدار الساعة - سبب تسمية مُزدلفة بهذا الاسم سُمِّيَت مزدلفة بهذا الاسم؛ لأنّها تدلّ على الازدلاف؛ أي الاجتماع؛ فمزدلفة تعني التجمُّع والالتقاء، ومن ذلك قَوْل الله -تعالى-: (وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ)،[١] وتدلّ أيضاً على التقدُّم والاقتراب، يُقال: تزلّف، أو أُزلِف؛ أي قُرِّب، ومن ذلك قَوْله -سبحانه-: (وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ)،[٢] وقِيل لمُزدلفة: جمعٌ؛ لأنّ الحُجّاج يجمعون فيها صلاتَي المغرب والعشاء تأخيراً، كما ورد عن الرسول -صلّى الله عليه وسلّم-،[٣] إضافة إلى أنّ الحُجّاج يجتمعون ويتقرّبون ليلاً من المَشعَر الحرام؛ أي مُزدلفة، بعد وقوفهم بعرفة،[٤] وتجدر الإشارة إلى أنّ مُزدلفة هو الاسم المعروف والأشهر، إلّا أنّ هناك عدّة أسماء أخرى تُطلَق عليها، ويُذكَر منها:[٥][٦] المَشعَر الحرام: كما ورد في قَوْله -تعالى-: (فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّـهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ)،[٧] والمَشعَر الحرام هو جميع مزدلفة، ويُسَنّ الوقوف في أيّ مَوضعٍ من مُزدلفة، واستقبال القبلة، وذِكْر الله. جَمعٌ: لِما ورد عن جابر بن عبدالله -رضي الله عنه- من أنّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- قال: (نحرتُ ها هنا، ومِنًى كلُّها مَنْحَرٌ، فانْحَروا في رحالِكُم، ووقفْتُ ها هنا، وعَرَفَةُ كلُّها موقِفٌ، و وقفْتُ ها هنا، وجمْعٌ كلُّها موقِفٌ)،[٨] وسُمِّيت جَمعٌ؛ لأنّ الحُجّاج يجمعون الصلاة فيها، وقِيل: لأنّ الحُجّاج يزدلفون؛ أي يتقرّبون إلى الله -سبحانه- فيها -كما ذُكِر سابقاً-. مزدلفة المَشعَر الحرام الحَجّ من أركان الإسلام الخمس، ويتكوّن من مناسكَ وشعائرَ مُحدَّدةٍ، ومن تلك المناسك: توجُّه الحُجّاج إلى مُزدلفة التي تُعَدّ المَشعَر الحرام باتِّفاق جمهور أهل العِلم؛ من المُفسِّرين، والمُحدِّثين، والفقهاء، إلّا أنّ الإمام النووّي خالفهم في ذلك؛ فقال إنّ مزدلفة هي جبل قُزح الواقع في مُزدلفة،[٩] قال -تعالى-: (فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّـهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ)،[٧] والآية تدلّ على أنّ مُزدلفة هي المقصودة بالمَشعَر الحرام؛ إذ يتوجّه الحُجّاج إليها بعد الوقوف بعرفة.[١٠] وتُعَدّ مُزدلفة مَشعَراً من المشاعر المُقدَّسة التي يتوجّه إليها الحُجّاج بعد الوقوف بعرفة، ويقع بينهما وادي عُرَنَة؛ وهو من أودية مكّة المكرّمة، ولا يُعَدّ من مَشعَر مزدلفة، ولا من مَشعَر عرفة؛ إذ ورد عن ابن عبّاس -رضي الله عنهما- أنّه قال: (عرَفَةُ كُلُّها مَوقِفٌ، وارتَفِعُوا عن بطْنِ عُرَنَةَ، ومُزدلِفَةُ كلُّها مَوقِفٌ، وارتفِعُوا عن بَطْنِ مُحَسِّرٍ، ومِنًى كلُّها مَنْحَرٌ)،[١١] ويُقصد ببطْن؛ الوادي،[١٢] وتقع مُزدلفة بين مِنى وجبل عرفاتٍ، ويحدّها وادي المُحسّر الذي لا تُعَدّ حدوده منها؛ لقوله -صلّى الله عليه وسلّم-: (مُزدلِفَةُ كلُّها مَوقِفٌ، وارتفِعُوا عن بَطْنِ مُحَسِّرٍ)،[١١] وبطْن مُحسّر يعني: وادي مُحسّر.[١٣] أحكامٌ مُتعلِّقةٌ بمُزدلفة المَبيت بمُزدلفة اختلف العلماء فيما يتعلّق بالمَبيت بمُزدلفة؛ فقال المالكيّة بنُدب المَبيت فيها، وعلى الحُجّاج حضورها، والنزول فيها، ولو بقَدْر وَضع المَتاع، وإن ترك الحاجّ المَبيت، أو النزول فيها قبل طلوع الفجر بلا عُذرٍ، وَجَبت الفِدية عليه، ويكون الحضور والمَبيت في مزدلفة بأيّ مكانٍ منها؛ لقَوْل النبيّ -عليه الصلاة والسلام-: (ومُزْدَلِفَةُ كلُّها موقفٌ)،[١١] وقد ورد عن الشافعيّة والحنابلة أنّ المَبيت بمُزدلفة يتحقّق ولو بساعةٍ من بعد النصف الثاني من ليلة النَّحر، أو بالخروج من مُزدلفة بعد نصف الليل لا قَبله، ولو كان قَبله فلا يتحقّق المَبيت، وتجب الفِدية، أمّا الحنفيّة فقالوا بأنّ المَبيت في مُزدلفة سُنّةٌ مُؤكَّدةٌ، والأفضل الوقوف بعد صلاة الفجر، والتوجُّه إلى الله -سبحانه- بالدعاء، ثمّ الإفاضة من مُزدلفة إلى مِنى قبل طلوع الشمس.[١٤] واتّفق العلماء على أنّ مَن ترك المَبيت بمُزدلفة بلا عُذرٍ أو سببٍ، وجبت عليه الفِدية، بخِلاف من ترك المَبيت بعذرٍ، كمن فيه ضعفٌ، أو مرضٌ، أو مَن انشغل بالمصالح العامّة في الحَجّ؛ من خدمةٍ، وسقايةٍ، وغير ذلك؛ بدليل ما ورد عن الرسول -عليه الصلاة السلام-: (أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ أرخصَ لرعاءِ الإبلِ في البيتوتةِ، خارجين عن مِنىً، يرمونَ يومَ النحرِ، ثم يرمون الغدَ، ومن بعدِ الغدِ ليومينِ، ثم يرمونَ يومَ النَّفْرِ)،[١٥] وورد أيضاً عن عبدالله بن عمر -رضي الله عنهما-: (أنَّ العَبَّاسَ بنَ عبدِ المُطَّلِبِ، اسْتَأْذَنَ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، أَنْ يَبِيتَ بمَكَّةَ لَيَالِي مِنًى، مِن أَجْلِ سِقَايَتِهِ، فأذِنَ له)،[١٦] ويُستدَلّ من الأحاديث على عدم وجوب الفِدية على من لم يَبِت بمُزدلفة بسبب عُذرٍ ما.[١٧] حُكم الجَمع والقَصر في مُزدلفة اتّفق العلماء على أنّه يُسَنّ للحاجّ جَمع وقَصْر صلاتَي المغرب والعشاء في مُزدلفة، إلّا أنّهم اختلفوا في حُكم مَن كان قد صلّى المغرب قبل وصوله إلى مُزدلفة؛ فذهب جمهور العلماء من المالكيّة، والشافعيّة، والحنابلة، وأبي يوسف من الحنفيّة إلى القول بجواز الفصل بين الصلاتَين كما جاز الجَمع بينهما، إلّا أنّ ذلك مُخالفٌ لسُنّة النبيّ -عليه الصلاة والسلام-، وقال الحنفيّة بوجوب تأخير صلاة المغرب، وأدائها في مُزدلفة.[١٨] وقت الدَّفع من مزدلفة يتوجّه الحجّاج من مُزدلفة إلى مِنى؛ لرَمْي الجِمار قبل طلوع شمس يوم النَّحر؛ لِما ثبت في صحيح مسلم عن جابر بن عبدالله -رضي الله عنه- أنّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام-: (حتَّى أَتَى المُزْدَلِفَةَ، فَصَلَّى بهَا المَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ بأَذَانٍ وَاحِدٍ وإقَامَتَيْنِ، وَلَمْ يُسَبِّحْ بيْنَهُما شيئًا، ثُمَّ اضْطَجَعَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ حتَّى طَلَعَ الفَجْرُ، وَصَلَّى الفَجْرَ، حِينَ تَبَيَّنَ له الصُّبْحُ، بأَذَانٍ وإقَامَةٍ، ثُمَّ رَكِبَ القَصْوَاءَ، حتَّى أَتَى المَشْعَرَ الحَرَامَ، فَاسْتَقْبَلَ القِبْلَةَ، فَدَعَاهُ وَكَبَّرَهُ وَهَلَّلَهُ وَوَحَّدَهُ، فَلَمْ يَزَلْ وَاقِفًا حتَّى أَسْفَرَ جِدًّا، فَدَفَعَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ)،[١٩] والحُجّاج خلال مَسيرهم إلى مِنى يُكبّرون، ويُلبّون، ويقطعون التلبية بمُجرَّد رَمْي جمرة العقبة.[٢٠]
إقرأ المزيد على موضوع.كوم: https://mawdoo3.com/%D9%84%D9%85%D8%A7%D8%B0%D8%A7_%D8%B3%D9%85%D9%8A%D8%AA_%D9%85%D8%B2%D8%AF%D9%84%D9%81%D8%A9_%D8%A8%D9%87%D8%B0%D8%A7_%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%B3%D9%85