حين تقوم بالسحب من الصراف الالي، يظهر لك على الشاشة عبارة تقول: هل تريد وصلا..وفي الزاوية الأخرى عبارة: كن صديقا للبيئة.
هذا يعني أنني إذا طلبت (الوصل) فأنا لست صديقا للبيئة، وإذا تخلفت عن طلب الوصل فأنا من أصدقاء البيئة، أين رقابة البنك المركزي على ذلك؟..الحقيقة تقول: ان طلب الوصل من الصراف الالي هو أمر له كلفة على البنك، لأنه يتضمن الطباعة وأثمان (رول الورق)..ناهيك عن ثمن الأحبار...إلى ما لانهاية، وبالتالي يلتفون على الأمر بجملة كن صديقا للبيئة..فقط من أجل توفير الورق.
للعلم أنا لست من أصدقاء البيئة، أنا (حر)....البيئة ظلمتني، لقد ولدت في الكرك...والكرك كما تعرفون يرقد فيها صحابة رسول الله، والكرك كما تعرفون أيضا.. هي أول الحب وأول السياسة، وأول التسامح...وفيها تشعر أن الليل هو من خط سواده على أجفان الصبايا، في الكرك قد تجد نجما تعلق في رمش صبية، قد تجد الشعر يثمل على عين سارة...وقد تجد المتنبي يطوف حول القلعة، وليس غريبا على الكرك..إن مررت في شوارعها... ووجدت سيفا يقيم طقسا من السامر وحده...لكن المشكلة لدينا في الكرك أن متر الأرض في أغلب مناطقها هو أقل كلفة من متر (المو?يت).
كما قلت أنا لست من أنصار البيئة، عن أي بيئة نتحدث....عن البيئة التي تقف فيها على الإشارة وتفتح سيدة شباكها وتقول لك: (حج ممكن أمرء)..زمان كنا نقبل بكلمة (عمو) على مضض..الأن أصبحت (الحاج عبدالهادي راجي)...أي بيئة تلك التي تغتال فيك سواد الشعر والشباب والقلب، وتغتال الفرح والحب...أنا لست من أنصار البيئة أبدا.
لست من أنصار البيئة، التي تقف فيها على طابور الهوى...زمان لم يكن في الحب انتظار، كانت كل القلوب مفتوحة..مثل محلات الورد، فقط عليك أن تدخل وتأخذ ما تشاء..اليوم الحب صار مثل صرف شيكات وزارة التنمية، عليك أن تقف في طابور طويل وتنتظر..الحب صار له بعض الرسوم التي تدفع وصار يخصم من قلبك لقاء الطوابع...
لست من أنصار البيئة، لست من أنصار الشاشات التي تمارس الضحك على الذقون...وأنا أطالب البنك المركزي، بأن يشطب هذه العبارات السخيفة من الصرافات... لا أن ينصحوه بعدم أخذ ورقة..كي يكون من أنصار البيئة...
خذوني للكرك...سئمت العمر هنا، على الأقل هنالك يجرؤ الليل أن يرمي بسواده على عين صبية بدلا من الكحل، وتجرؤ نجمة أن تتدلى من الرمش...العشق إن لم ينبت على التراب الحر فهو ليس بالعشق أبدا..خذوني للكرك.
وللعلم أن لست من أصدقاء البيئة.