مع دخول العالم في الربع الثالث من هذا العام, دخلت دول عديدة في مرحلة الركود الإقتصادي بتسجيل نمو سلبي في الناتج المحلي الإجمالي لمدة فصلين متعاقبين, وهذا ما حذرنا منه منذ عام في مقالات سابقة, في ظل أوضاع عالمية صعبة ومن أهمها الحرب الروسية–الأوكرانية والارتفاع في أسعار الطاقة والذي بلغ معدله لعام 2022 قرابة 103 دولار للبرميل, والذي عمق من مشكلة التضخم,الذي لا زال بعيداً عن النسبة المئوية المستهدفة وهي 2%, فقد جاء قرار البنك المركزي الأوروبي بزيادة الفائدة على الودائع بمقدار 25 نقطة أساس للمرة الثامنة على ا?توالي, لتصل3.5% وهي الأعلى منذ 22 عاماً للسيطرة على التضخم في القارة الأوروبية وهو الآن عند 6.1%, في حين أراد الفيدرالي الأميركي أن يخالف التوقعات والأرقام لهذا الشهر والتي أشارت إلى رفع الفائدة 25 نقطة أساس, حيث إتجه للمرة الأولى بعد 10 زيادات متتالية إلى تثبيت سعر الفائدة على الدولارعند 5.25%, وهذا من شأنه أن ينعش الإقتصاد الأمريكي الذي واجه معركة سقف الدين 31.4 ترليون دولار والتي كادت أن تطيح بالاقتصاد الأميركي لولا الإتفاق بين الرئيس الأمريكي ورئيس مجلس النواب بتعليق سقف الدين لبداية عام 2025, فهذا الت?بيت لسعر الفائدة لن يحل مشكلة التضخم ومن الممكن أن تتفاقم وخصوصاً أن رئيس الفيدرالي الأمريكي وأثناء مؤتمره الصحفي قال بأن هناك رفعتين قبل نهاية العام، وهذا التصريح أربك وسيربك الإقتصاد الأمريكي أكثر وخصوصاً بأسعار النفط وأسواق الأسهم والذهب، لكن التثبيت لسعر الفائدة لهذا الشهر سيكون له فائدتين مؤقتتين, لكنهما في غاية الأهمية,
أولاً: إنعاش الإقتصاد الأمريكي للشهر القادم وتحقيق نتائج إيجابية قد تجنب نتائجها دخول الإقتصاد الأمريكي في الركود المبكر, ولكن ذلك لن يشفع له إذا تمت الرفعات القادمة لهذا العام والتي توقعت أن تصل الفائدة نهاية هذا العام 6% في تصريحي على راديو الشرق مع Bloomberg الشهر الماضي.
ثانياً: إستقرار أكثر للبنوك الأمريكية وعدم زعزعتها كما حصل في الربع الثاني من هذا العام لبنوك أمريكية وأوروبية عندما أفلست ولولا إحتواء هذه البنوك لتفاقم الوضع وإمتد لبنوك أخرى.
لنذهب إلى القطب الآخر (مجموعة بريكس), فقد قامت الصين عن طريق البنك المركزي الصيني بتخفيض الفائدة على الإقراض ب10 نقاط أساس لمدة عام لتصل إلى 2.65%، وهذا من شأنه أن ينعش إقتصادها والذي عانى من إغلاقات كورونا، وجاءت بعض النتائج الإقتصادية الصينية مؤخراً مخيبة للآمال, أما بالنسبة إلى روسيا فهي تدرك أن خوضها للحرب مع أوكرانيا وحلفائها الغربيين يجب أن لا يستنزف إقتصادها, فروسيا أنفقت 3% من ناتجها المحلي الإجمالي على الحرب العام الماضي، وأفشلت حرب النفط والحصار الإقتصادي عليها, فقرارات النفط الآن خرجت من المعسكر?الغربي وأصبحت بيد أوبيك بلس أو بالأحرى بيد الدول التي قد تنحاز للقطب الآخر والذي ستتحدد معالمه في شهر آب القادم عندما يجتمع قادة البريكس في جنوب أفريقيا ومن المتوقع إنضمام دول مؤثرة لهذه المجموعة, لتصل ناتجها المحلي الإجمالي مع نهاية العام بعد إنضمامهم إلى40% من الناتج العالمي, وهذه الدول هي مصر والسعودية والإمارات والبحرين والجزائر ودول أخرى في آسيا الوسطى إضافة إلى كل من تركيا وإيران لتضيف 19 دولة إلى الخمس دول الأساسية والتي شكلت مجموعة بريكس والتي تفوقت بإقتصادها الشهر الماضي على مجموعة دول ال «G7", وه?ا قد أعتبره سبباً ثالثاً تخشاه الولايات المتحدة وخصوصاً الفيدرالي الأمريكي بمحاولة تحفيز الإقتصاد الأمريكي قبل إجتماع شهر آب القادم, والذي من خلاله أيضاً سيتم إعتماد طريقة دفع بالعملات المحلية لمجموعة بريكس وخصوصاً في التبادلات التجارية والنفطية أو البدء بصك عملة موحدة خاصة بهم وهذا من شأنه أن يؤثر على البترودولار, ويعمق من مشكلة الإقتصاد الأمريكي.
هذا من جانب التحليلات الإقتصادية، أما من الجانب الآخر ما يدور الآن على أرض الواقع لإنعاش الإقتصاد العالمي فقد إستقطب منتدى بطرسبورغ الإقتصادي الدولي 17 ألف مشارك من أكثر من 100 دولة في العالم, وهذا وحده مؤشراً على الرغبة الجامحة لدول العالم لإنعاش إقتصاداتها, ناهيك عن الدبلوماسية العالمية التي زادت وتيرتها لإنهاء الحرب الروسية- الأوكرانية والتي ستدخل في مرحلة اللاحرب واللاسلم لفترة طويلة حسب ما توقعته في مقالتي السابقة المنشورة في الرأي الغراء, فإننا نشهد الآن:
أولا: تحرك وفد إفريقي لزيارة أوكرانيا وروسيا للتوسط لحل الأزمة بينهم بتقديم مبادرة إفريقية.
ثانياً: زيارة وزير الخارجية الأمريكية للصين والتي إعتبرها بنظري إقتصادية أكثر منها سياسية وذلك للتخفيف من المنافسة الشرسة بينهما كما نعتها أحد الطرفين.
ثالثاً: زيارة رئيس الوزراء الصيني لفرنسا وألمانيا الإسبوع القادم للتوسط بحل الأزمة الروسية- الأوكرانية, إضافة إلى المصالح الإقتصادية المشتركة بينهم, وخصوصاً مصالح فرنسا وألمانيا التي تضررت نتيجة الحرب.
في الختام لن تنجو أي دولة من الركود الإقتصادي لأن مصالح الدول وإقتصاداتها متشابكة، فإنهاء الحرب الروسية- الأوكرانية أصبحت الآن أولوية قصوى للجميع, للدول الفقيرة قبل الدول الغنية، ولدول الإقتصادات الناشئة قبل دول الإقتصادات المتقدمة, فالعالم مفتوح للتشاركية والتنافسية الحرة وهذا من شأنه أن يحفز الإقتصاد العالمي ويجنبه ما هو الأسوأ في المرحلة القادمة.