مدار الساعة - عمر عبيدات -
ما وجدت أكثر إخلاصًا ووفاء للوطن من سمك السالمون لا سيما فصيلة منه تدعى Sockeye أو السالمون الأحمر فبعد أكثر من ثلاث سنوات تمضيها هذه الأسماك في المحيط يهتف بها هاتف أن حان وقت الرجوع.. تقطع الأسماك مئات الكيلومترات في المحيط باتجاه نهر إليامنا في ولاية ألاسكا الأمريكية لا تعتمد على شيء في ذلك إلا على المجال المغناطيسي للأرض وربما حنين صادق يقودها إلى مرتجاها.. فور وصولها مصب النهر تبدأ صياما عن الطعام يمتد لأسابيع قبل أن تبدأ رحلة تكاد تكون الأغرب والأصعب في عالم الحيوان فخلافا لطبيعة الأشياء تسبح هذه الأسماك مئتي كيلومتر عكس التيار الذي يكون في بعض الأحيان جارفا لكنها تستغل كل ما تملك من إرادة وتصميم للوصول إلى موطنها. وما إن تنتهي مرحلة التيارات العنيفة حتى تصطدم الأسماك العائدة بالدببة التي تقف وسط النهر بانتظار عبورها لتصطاد منها ما يقيم أودها ويراكم شحومها ويسمح لها بقضاء فصل الشتاء المقبل في حالة كمون حتى إن الدب الواحد ليأكل في اليوم الواحد أربعين سمكة! إصرار الأسماك وتصميمها يقودانها بعد ذلك إلى بحيرة إليامنا التي لا بد لها من قطعها قبل الوصول إلى محطتها الأخيرة.. هنا تتفاجأ بمفترس آخر هو فقمة المياه العذبة التي تكمن بين شجيرات البحيرة وبقايا حطام الأشجار فيها لتفترس ما تيسر لها من أسماك.. بعد اجتيازها البحيرة مرهقة صائمة تصل الأسماك أخيرا إلى البرك الضحلة التي ولدت فيها قبل أكثر من ثلاث سنوات.. هنا وفقط هنا تتزاوج وتستودع البيوض موطنها قبل أن تستسلم لا لقسط من الراحة بل للموت مطمئنة إلى أن صغارها لن تولد فقط في ذات المكان الذي ولدت فيه بل ستكون قادرة على بدء حياة جديدة معتمدة على بقايا أجساد آبائها التي تشكل في غياب الوالدين ورعايتهم أول غذاء وخير غذاء!
في الحنين إلى الوطن
ملخص الخبر:
مدار الساعة ـ
ملخص الخبر: