في تعقيبه على إعلان نظيره الروسي/بوتين بأن بلاده «نشرتْ الدفعة الأولى من الأسلحة النووية التكتيكية في بيلاروسيا», قال الرئيس الأميركي/بايدن: إن ذلك غير مقبول, دون أن يُضيف إلى هذا التعقيب المُقتضب أي كلمة أو تلويح بإجراءات لاحقة. بعد أن وضع بوتين موضع التنفيذ الاتفاق الذي كان وقّعه مع نظيره اليلاروسي/لوكاشينكو في 26 آذار الماضي.
خاصة أن إعلان بوتين جاء في ظل الهجوم الأوكراني المُضاد (بل المُتعثِّر كما يجب التنويه), وإن كان رد الفعل الأميركي «الفوري» على إتفاق بوتين/لوكاشينكو في آذار الماضي, قد جاء عبر بيان من البنتاغون قال فيه: إنه لم يَرَ أي سبب لتعديل الوضع النووي الاستراتيجي, بعد قرار موسكو نشر أسلحة نووية تكتيكية في جارتها بيلاروسيا, والتي ربطت (أي موسكو) القرار بنشر واشنطن أسلحة مُماثِلَة في أوروبا.
مؤسف بالطبع أن تصل الأمور إلى هذه الدرجة من الاحتقان, على نحو يتم فيه اللجوء إلى الأسلحة النووية, ما يُعرِّض للخطر نظام وآليات واتفاقيات عدم نشر أسلحة الدمار الشامل في العالم، إلا أن كل هذه البيانات والتحذيرات والاتهامات الأميركية لروسيا في هذا الشأن, تبدو مُنافقة ومُخادعة ومحاولة مكشوفة لصرف الأنظار, عن نشر واشنطن المُفرط والقديم أيضاً لأسلحة نووية خارج أراضي الولايات المتّحدة. لعل أكثر كشفاً وإدانة لسلوك واشنطن ما نشرته مُنسقة السياسات في الحملة الدولية للقضاء على الأسلحة النووية/أليسيا ساندرز زاكري في م?تمر صحافي عُقد في جينيف الاثنين الماضي, أعلنت فيه أن الولايات المتّحدة نشرتْ حوالي «150» رأساً نووياً في بلجيكا وألمانيا وإيطاليا وهولندا وتركيا, ضمن القواعد الجوية الأميركية في تلك البلدان. في الوقت ذاته الذي لفتت فيه مُنسقة الحملة/سوزي سنايدر أنه بعد انتخابات 2009 في ألمانيا تحدّث اتفاق التحالف عن جهود لسحب الأسلحة النووية الأميركية من ألمانيا. ما عنى من بين أمور أخرى أنّ سحابة السِريّة بدأت في الانهيار. الأمر الذي عرَّض غيدو فيسترفيلة/ وزير الخارجية الألماني آنذاك, لانتقادات حادة من قبل زملائه وحلفائه, ?تحدُّثه بـ"صوت عالٍ» عما «لم» يكن المُفترَض التحدث عنه.
وإذ كانت روسيا على لسان رئيسها/ بوتين الذي أعلن أول أمس, أمام منتدى سانت بطرسبورغ الاقتصاددي الدولي بأنّ بلاده «لن» تستخدم هذه الأسلحة النووية التكتيكية, إلا إذا تعرّضت روسيا نفسها لخطر وجودي، فإنّ من الضروري هنا لفت الأنظار إلى أن الحملة الدولية للقضاء على الأسلحة النووية (بما هي تحالف من المنظمات غير الحكومية، تأسست عام 2007 في ملبورن بأستراليا، وهدفها نزع السلاح النووي بالكامل, وحصلت على جائزة نوبل للسلام في عام 2007)، ليست ذراعاً دعائية من أسلحة روسيا الإعلامية, ولا علاقة تربطها بأي من القوى الأعضاء في?النادي النووي، ما يعني أن ما تنشره هو نتاج جهودها الاستقصائية وأبحاثها ومصادرها الخاصة، الأمر الذي لا يمكن فيه إدانة روسيا بخطوتها هذه فيما ترسانة واشنطن النووية منتشرة على نحو واسع خارج أراضيها, وقبل اندلاع الأزمة الأوكرانية «عسكرياً» في 24 شباط 2022 بل قبلها بعقود طويلة. والتاريخ يروي الشرط السوفياتي لطي صفحة أزمة الصواريخ الكوبية في العام 1962, والقاضي قيام واشنطن بسحب صواريخها النووية من تركيا العضو في حلف شمال الأطلسي/الناتو.
قد تكون الأرقام «الصادمة» التالية أكثر إثارة للأسف بل المحمول على غضب, نظراً لحجم النفاق الذي تمارسه الإدارات الأميركية المتعاقبة, في ضوء المبالغ الطائلة التي يتمّ إهدارها من أجل المحافظة على ترسانة واشنطن النووية في العام 2022, وفق ما نشرته الحملة الدولية للقضاء على الأسلحة النووية والتي بلغت 43.7 مليار دولار، أي ما يقرب من خمسة أضعاف ما أنفقته روسيا (9.6 مليار) وحوالي أربعة أضعاف الصين (11.7 مليار)، وبريطانيا (7.8 مليار) تليها فرنسا (5.6 مليار) والهند (2.7 مليار) وإسرائيل (1.2 مليار) وباكستان (1 مليار) و?وريا الشمالية (589 مليون)..
في السطر الأخير: في أحدث تقرير لمعهد ستوكهولم الدولي لبحوث السلام SIPRI جاء فيه أن من بين 12512 رأساً نووياً مُتاحاً اعتباراً من كانون الثاني 2023، كان هناك ما يقرب من 9576 رأساً مُجهزة للاستخدام المُحتمل بزيادة قدرها «86» رأساً عن كانون الثاني 2022.
إستدراك:
أعلن رئيس كوريا الجنوبية/ يون سيوك يول يوم 6 حزيران الجاري, «ترقِية» التحالف مع الولايات المتحدة إلى تحالف قائم على «القوّة النوويّة»، بموجب -أضاف- اتفاقه مع الرئيس بايدن لتعزيز التزام واشنطن بالردع النووي.. فيما يقول بايدن: أن نشر روسيا أسلحة نووية تكتيكية في بيلاروسيا... «غير مقبول».