يهبط اليوم في العاصمة الصينية بيجين رئيس الدبلوماسية الأميركية توني بلينكن في أول زيارة لـ«أعلى» مسؤول أميركي منذ العام 2018، وسط تراشق متبادل في تصريحات ذات سقف عالٍ أشبه بالضرب تحت الحزام، على نحو لا يُنذر بحدوث انفراج في مشهد مأزوم, خاصة أن الملفات والقضايا التي سيبحثها الوزير الأميركي مع مُضيفيه, مُتراكمة وخِلافية حدود التفجّر. استبطنتها من بين أمور أخرى تصريحات بلينكن عن أن «تنافساً شديداً يتطلب دبلوماسية كثيفة, بهدف ضمان عدم تحوله مُواجهة أو نزاعاً», وإن كان قال في تصريح لاحق «حتى نتمكّن من إدارة خلا?اتنا في شكل مسؤول وتجنّب الحسابات الخاطئة». فيما سارعت وزارة الخارجية الصينية في الرد في بيان غاضب, لم تتردد في إعلان تحدّيها, مُحذرة واشنطن من ضرورة «ألا تتصوّر أن تعاملاتها مع الصين تأتي من مُنطلق القوة، مُنذرة على لسان ناطق خارجيتها أن «المنافسة الشرسة لا يُمكن الانخراط فيها، الذي استطرد قائلاً: هذا ليس ما يُطلق عليه منافسة مسؤولة، بل هو سلوك هيمنة بالغ الإستهتار، لن يدفع الصين والولايات المتحدة إلا إلى المواجهة»..
وسط أجواء ومناخات محتقنة لا تدعو للتفاؤل, يجلس الطرفان على طاولة محادثات لا يبدو أن أحداً منهما يتوقّع أن تُفضي إلى نتائج ملموسة, رغم كل ما «قد» تعكسه ردود بلينكن ونظيره الصيني/تشين غانغ في المؤتمر الصحافي, الذي سيعقدانه بعد انتهاء المباحثات (إن عُقد).
دعونا نبدأ بالتصريح المثير والمستفز الذي أدلى به من طوكيو قبل يومين, مستشار الأمن القومي الأميركي/جيك سوليفان. إذ قال أن بلاده «لا تتوقّع أي إنفراجة في العلاقات مع الصين، خلال زيارة بلينكن لها».. مضيفاً في شكل غريب وغير ذي صلة بزيارة بلينكن أن «الحدث الدبلوماسي الأهمّ بالنسبة للولايات المتحدة، سيكون زيارة رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي لواشنطن الأسبوع المقبل (تبدأ في 22 الجاري).
زج المسؤول الأميركي الرفيع والأقرب إلى «أُذن» الرئيس بايدن إسم مودي والهند، يبدو مقصوداً نظراً لعلاقات الهند الفاترة تاريخياً، بل ربما يصح القول المُتوترة وربما العدائية بين القوتين الصاعدتين اقتصادياً «وعسكريا» والاحتمالات المفتوحة لتبوئهما مرتبة متقدمة على صعيد القوى الكبرى, في عالم ما بعد انهيار نظام الهيمنة الأميركية أحادي القطبية, تتنافس فيه الصين والهند على احتلال المرتبة الأول رغم تقدم الصين «حالياً» على الهند.
مستشار الأمن القومي الأميركي قال في تصريحه عن طوكيو أن «بلينكن سيُوضح خلال زيارته للصين «السياسة الأميركية التي تنتهج بلاده بموجبها «دبلوماسية نشطة» في إدارة «التوتر» بين أكبر اقتصادين في العالم، في حين سارعت الخارجية الصينية رداً على تصريحات سوليفان بأنّ «واشنطن تتوقّع لا الكثير من زيارة بلينكن للصين» إلى الإعلان بأنّ «باب الصين مفتوح دائماً للحوار مع الولايات المتّحدة, وأن الاتصالات بين البلدين لم تتوقف أبداً»، مضيفاً/متحدث الخارجية الصينية: أنه يتعيّن على الصين والولايات المتّحدة تطوير العلاقات على أساس?الاحترام المتبادل والمساواة».
يمكن والحال هذه وصف العلاقات الأميركية الصينية دونما مبالغة, بأنّها متدهورة أو آخذة في التدهور على شكل متسارع, لأن ما بين واشنطن وبيجين من خلافات عميقة أكبر وأكثر اتساعاً من «القليل جداً» الذي يمكنهما الاتفاق أو التوافق عليه. ليس فقط في شأن ملف تايوان (الأكثر تفجّراً والاحتمالات المفتوحة لانزلاقه إلى ما هو أسوأ, خاصة في ظل تحليلات بل ربما ترجيحات بأنّ إدارة بايدن «تُفكر» في إعلان عدم التزامها بمبدأ صين واحدة, أي الاعتراف بتايوان دولة مستقلة. ولمن يستبعِدون ذلك عليهم متابعة الخطوات الأميركية ذات الطابع العس?ري المتدحرج لعسكرة المحيطين الهادئ والهندي, وسلسلة الأحلاف العسكرية التي أقامتها والمعاهدات الأمنية التي أبرمتها واشنطن مع دول عديدة في تلك المنطقة, كذلك قراءة السِجل الأميركي الحافل في التنكر للمعاهدات والاتفاقات..سجِّل معروف ومُعلن سواء مع روسيا في شأن توسّع الناتو شرقاً نحو حدود روسيا, أم خصوصاً في عدم التزام بنود معاهدات الحد من الأسلحة النووية ومنها «نيوستارت».
زد على أزمة تايوان بين البلدين مسألة العلاقات الصينية ــ الروسية وتهديدات واشنطن لبيجين بفرض عقوبات عليها حال مضت قدماً في تعزيز «الشراكة بلا حدود» بين موسكو وبيجين, ناهيك ما تعلّق بالتجارة بين بيجين وواشنطن من حظر أميركي على تصدير الرقائق الدقيقة وخاصة تلك ذات الطابع العسكري، فضلاً عن شماعة حقوق الإنسان, التي تدعي واشنطن أنّها «وصية» عليها عالمياً. دون إهمال الغضب الأميركي الذي وصل حدود الهلوسة إعلامياً ودبلوماسياً بعد رفض بيجين الإستجابة, لعقد لقاء بين وزير الدفاع الأميركي/أوستن ونظيره الصيني/شانغ فو. عل?اً ان واشنطن تفرض «عقوبات» على الوزير الصيني الذي تطلب اللقاء معه.