ما إن يقترب موسم الأعياد حتّى يتكرّر المشهد لبعض تجّار الألبسة الّذين اعتادوا الظهور الإعلاميّ على مختلف الوسائل منذ سنين عديدة، رافعين ذات الشعارات والخطابات الّتي تصبح فيما بعد عناوين مهمّة في الإعلام وأبرزها: "أنقذوا القطاع"، "الركود يخيّم على القطاع"، "لا بيع ولا شراء"، "نشاط مخيّب رغم اقتراب الأعياد"، "إغلاق المحلّات بسبب عدم الإقبال"، وغيرها من عشرات العناوين الّتي تتكرّر في كلّ مناسبة.
أثار هذا التكرار فضولنا الصحفيّ للوقوف على حقيقة ما يعانيه قطاع الألبسة من مشاكل وتحدّيات أدّت لتراجع نشاطه، رغم أنّه شبه يوميّ يتمّ فتح محلّات جديدة في المولات المنتشرة في مختلف محافظات المملكة.
الصدمة كانت حول النتائج الماليّة لقطاع الألبسة، الّذي يشتكي ممثّلوه ويتباكون ليل نهار من أنّهم يعانون الأمرين، ولا يوجد بيع ولا شراء نتيجة عدم وجود إقبال، وضعف القوّة الشرائيّة للمواطنين.
الحقيقة هي أنّ قطاع الألبسة حقّق نتائج ماليّة كبيرة خلال السنوات الماضية والأشهر المنصرمة من هذا العام عكس ما يتمّ تداوله من قبلهم، فالتحصيلات الضريبيّة مؤشّر لا يكذب أبداً، ولا يعطي إلّا الحقيقة.
هل يعلم ممثّلو قطاع الألبسة الّذين يظهرون في الإعلام بشكل متكرّر أنّ تحصيلات ضريبة الدخل من قطاعهم لوحده في عام 2022 ارتفعت بنسبة 50 %، في حين زادت توريداتها من ضريبة المبيعات بنسبة 13 % مقارنة بما كانت عليه في عام 2021؟
أمّا هذا العام الّذي كثرت فيه شكاوى بعض ممثّلي القطاع، فقد كشفت بيانات رسميّة أنّ تحصيلات ضريبة الدخل المورّدة من قطاع محلّات تجّار الألبسة ارتفعت بنسبة 40 %، في حين استقرّت على ارتفاع توريدات ضريبة المبيعات للشهور الخمسة الأولى من هذا العام مقارنة مع نفس الفترة من السنة 2022.
الأهمّ من ذلك ما كشفته المصادر أنّ مجموع المكلّفين في قطاع تجارة الألبسة لم يتناقص أبداً منذ سنوات عديدة، فالعدد مستقرّ على عكس ما يتمّ الترويج له من أنّ هناك الكثير من المحلّات الّتي أغلقت وخرجت من السوق، والصحيح أنّ هناك محلّات خرجت وأخرى دخلت.
ويبقى السؤال، لماذا يتمّ طرح الشعارات الشعبويّة وتسويد مشهد قطاع الملابس خاصّة في الفترات الّتي تسبق الأعياد والعطل؟
الحقيقة أنّ بعض تجّار الملابس في الأردنّ، على الأغلب، يستغلّون فترات الأعياد والمناسبات الخاصّة لزيادة الأسعار وتحقيق أرباح أكبر بشكل عامّ حيث يزداد الطلب على الملابس خلال فترات الأعياد مثل عيد الفطر وعيد الأضحى، وهذا يجعل التجّار يرفعون الأسعار باهظة الثمن.
وبسبب هذا، يتضرّر المواطن العاديّ الّذي يحاول شراء ملابس جديدة للأعياد، ولا يستطيع تحمّل تكاليف الملابس بأسعارها المرتفعة.
بالإضافة إلى ذلك، يقوم بعض تجّار الملابس أحياناً بنشر بعض الأخبار المضلّلة والإشاعات حول توفّر ملابس معيّنة، الّتي يفترض أن تكون متوفّرة بكمّيّات كبيرة في المركز التجاريّ أو المتجر، ولكن في الواقع هذا ليس صحيحاً. يمكن لتجّار الملابس الاستفادة من هذه الإشاعات لجذب عملائهم وجعلهم يشترون بأسعار أعلى.
المحصّلة أنّ بثّ الخطابات السوداويّة والإشاعات المضلّلة حول الأسواق ونشاطهم هو محاولة التفاف على حقيقة أنّ أسعار الملابس في الأردنّ مرتفعة، وهي محاولة مكشوفة باستخدام الشارع والاحتياجات المعيشيّة للمواطنين للضغط على الحكومة وأجهزتها المختلفة للحصول على مساعدات وتسهيلات تعظم أرباحهم لا أكثر.
للعلم فقط، ما يحدث في قطاع الملابس من تضليل إعلاميّ ينطبق أيضاً على الكثير من القطاعات الّتي تصوّر المشهد بأنّه مدمّر، ولا يوجد أيّ نشاط، كما نسمعه بين الحين والآخر من بعض أصحاب المطاعم والحلويّات والسيّارات على سبيل المثال لا الحصر، والقائمة تطول، لكنّ الكلّ مكشوف لدى الضريبة.
مسؤوليّة الإعلام كبيرة في إيقاف بثّ أخبار مضلّلة على لسان هذه الفئات والتأكّد قبل النشر من حقيقة ما يتمّ التصريح به، لأنّه للأسف المواطن يقع ضحيّة وفريسة سهلة لهذه الخطابات الشعبويّة الّتي هي بمثابة أشكال من أشكال الابتزاز العلنيّ للمواطن والحكومة معاً لصالح فئة لا تنظر إلّا لمصالحها فقط.