أخبار الأردن اقتصاديات مغاربيات خليجيات دوليات وفيات جامعات برلمانيات رياضة أحزاب وظائف للأردنيين مقالات مقالات مختارة أسرار ومجالس تبليغات قضائية جاهات واعراس الموقف شهادة مناسبات مجتمع دين اخبار خفيفة ثقافة سياحة الأسرة طقس اليوم

الوريكات يكتب: علم الأنماط والتفكير العكسي وضرورة الوعي


عبد المنعم الوريكات
عقيد متقاعد

الوريكات يكتب: علم الأنماط والتفكير العكسي وضرورة الوعي

مدار الساعة ـ
كثير من الأمور المُحيّرة التي تحدث في حياتنا وقد تحدث يوميا للبعض ولا نجد لها أي تفسير، أو تمُر مرور الكرام دون أدنى تبعات، وقليل من يدرك هذه الظاهرة العلمية والتي فسرها العلماء ومنحوها إسم "ابوفينيا" وعرفوها بانها "محاولة ربط عدة أحداث أو أشياء منفصلة لا رابط يجمعها لتحميلها معنى جديداً كنوع من إضفاء الصفة العلمية أو المصداقية عليها أو إعطائها أهمية تفوق حجمها الحقيقي" أو انها “الصِلات التي لا مبرر لها" أو "ميل الإنسان إلى البحث عن أنماط في الطبيعة العشوائية" أو تسميتها ب "النمطية"وأنها “الميل للعثور على أنماط ذات معاني في ضجيج لا معنى له”
بالتأكيد إن ظاهرة دراسة الحالات وتصنيفها وتسميتها هي ضرورة علمية لفهم الحياة بشكل عام، وبالتالي يستطيع العلماء حل المعضلات التي تهم البشر أو لاستخدامها في عمليات التحكم في العموم، ومثال ذلك أن طبيعة البشر تميل الى ربط الاحداث وايجاد أنماط كاثبات لآرائهم في مجال معيّن، رغم عدم وجود ذلك في الحقيقة، وهنا تكون الحالة مجرد مرض يصيب صاحبها، أو أن تستخدم هذه الصفة لإغراق الشعوب بالتفاصيل والاحداث رغم ترابط بعضها لجعل العموم عاجزين عن إيجاد الأنماط بينها، وذلك لصعوبة إيجاد الأنماط الحقيقية بين عشوائية الأحداث بمجرد الإعتماد على الذاكرة البشرية واحتياجها الى الكثير من التدوين والدراسات لاكتشاف حقيقة الأنماط وصعوبة ومحدودية الحصول على معلومات حقيقية عنهايأتي هنا دور "التفكير العكسي" لمجابهة هذا النوع من طرق التحكم بالبشر، حيث لا يمتلك هذه الطريقة الا القليل جدا من البشر الذين يمتلكون طريقة تفكير منفتحة ومتشابكة، ليستطيعوا في المحصلة إكتشاف الأنماط الحقيقة من الأنماط السرابيّه الوهمية، وهؤلاء الأشخاص دائما ما يُجابهون بالتشكيك وأنهم مهوسون في نظرية المؤامرة عندما تتعلق الأنماط بالأمور السلبية التي تخص المجتمعات في العموم، وأحيانا يتهمون من قبل الجهات التي تتحكم بالشعوب بأنهم أشخاص أصحاب أجندات ومشاغبين و سوداويين، أو أنهم مجرد مشاغبين على السياسات الحكومية الإصلاحية، لفهم طريقة التفكير العكسي اذكر لكم هذه القصة وهي أن البريطانيين لاحظوا أن الطائرات التي كانت تخرج من المعسكرات للقتال على الجبهة الألمانية، كان يسقط منها عدد كبير ، والقليل الذي يعود لا يعود سالماً و قد أصيبت في أماكن متفرقة لذا فكر المهندسين في حل لتقليل الخسائر، وأول ما فكروا فيه أن الطائرات تحتاج لدروع من الحديد الصلب ليحميها من الرصاص والقذائف، الطائرات التي عادت كانت مصابة بآثار الرصاص في الجناحين ومنتصف الطائرة بشكل مكثف، وبدرجة أقل في الجناح الخلفي، في حين أن كابينة الطيار والذيل لم تُمس تقريباً، ‏وبالتالي توصلوا إلى استنتاج مهم برأيهم وهو أنهم في حاجة إلى تدعيم الجناحين ومنتصف الطائرة، لإنها التي يسهُل اصابتها فيما يبدو، وبالفعل تم عمل التدعيم للطائرات الجديدة، وترقب المهندسون النتائج. ثم كانت المفاجأة !! لم يحدث اي تغير، لازالت أغلب الطائرات تتحطم، و القليل يعود !! إذن أين الخلل ؟ هنا قرر الجيش الاستعانة بعلماء من خارج التخصص، ووقع اختيارهم على العالم: ابراهام والد وهو عالم رياضيات يهودي نمساوي، وهنا كانت المفاجأة الثانية!! لقد قلب ابراهام والد الطاولة عليهم !! و أخبرهم أنهم ببساطة استخدموا منطقاً معكوساً للنظر في تلك المسألة، فالطائرات التي فحصها المهندسون، والتي تلقت الرصاص في الأجنحة والمنتصف، هي ببساطة الطائرات التي عادت، أي أنها تحملت هذه الأصابة ولم تسقط، بينما لم تعد طائرة واحدة مصابة في كابينة الطيار أو الذيل، بما يدل أن هذه هي الأماكن الهشة فعلاً، و هي التي تحتاج إلى التدعيم و عندما جرب المهندسون تدعيم المناطق السليمة، وبالفعل ارتفعت نسبة الطائرات الناجية بمعدل فارق، فتم تطبيق المبدأ على بقية أسلحة الجيشفي العموم تبقى سياسة الوعي هي سيدة الموقف بالنسبة للشعوب والعدو الأول والأخير للجهات التي تحاول التحكم بهم وفي طريقة عيشهم، وتبقى رحى هذه الحرب تدور حول مجابهة إكتشاف الحقيقة الكامنة خلف الكثير من الأحداث وحول إخفائها، وقد تنتصر أي جهة في مرحلة معيّنة وتخسر من تقابلها، وقد يتم إكتشاف طبيعة الأنماط الحقيقية في مرحلة متأخرة لكنها ستكون مجرد رصيد وهمي في معركة الوعي ومجرد خسارة إضافية إن لم يتم تدارسها وتطبيقها
مدار الساعة ـ