انتخابات نواب الأردن 2024 اقتصاديات أخبار الأردن جامعات دوليات برلمانيات وفيات رياضة وظائف للأردنيين أحزاب مقالات مقالات مختارة مناسبات شهادة جاهات واعراس الموقف مجتمع دين اخبار خفيفة ثقافة سياحة الأسرة

الخامس من حزيران: مراجعة متأخرة!


د. أحمد بطّاح

الخامس من حزيران: مراجعة متأخرة!

مدار الساعة ـ نشر في 2023/06/17 الساعة 11:14
ومن ينسى الخامس من حزيران لعام 1967 حين استطاعت إسرائيل التي كنا نسميها (دولة مزعومة) أو (دُويلة مَسْخ) أن تهزم جيوش ثلاث دول عربية (مصر، سوريا، الأردن) في ستة أيام، والواقع أن ذلك حصل في أول ستين ساعة من بدء الحرب حيث استطاع سلاح الجو الإسرائيلي تدمير جميع أسلحة الجو العربية (وبالذات سلاح الجو المصري)، الأمر الذي ترك الجيوش العربية لا تستطيع أن تحارب تحت سماوات مكشوفة يعربد فيها الطيران الإسرائيلي.
لقد تمخضت الحرب في المحصلة عن خسارة بقية فلسطين التاريخية (الضفة الغربية وقطاع غزة)، وسيناء (تعادل مساحتها ثلاثة أضعاف مساحة إسرائيل)، والجولان (ذي الموقع الاستراتيجي والأرض الخصبة والغنية بالمياه)، وقد كانت الطامة الكبرى أن هذه الهزيمة المُذلة للعرب كانت بعد انتصارات كبيرة للمد القومي العربي الذي قدم منجزات تاريخية كاتفاقية الجلاء عن مصر بعد سبعين سنة من الاحتلال البريطاني، وتأميم قناة السويس، وبناء السد العالي، واستقلال الجزائر وغير ذلك مما جعل المواطن العربي يعتقد أن الانتصار على إسرائيل هو تحصيل حاصل وأنّ النصر آتٍ لا ريب فيه!
وللأمانة فقد خاض العرب عدة مواجهات وحروب مع إسرائيل لتغيير الوضع الذي تمخضت عنه نكسة حزيران (أو حرب الأيام الستة كما يسميها البعض)، فخاضت مصر حرب الاستنزاف (3 سنوات) التي صقلت قدرات الجيش المصري، وهيأته لخوض حرب "أكتوبر" (تشرين) 1973 التي تم فيها عبور قناة السويس من قبل الجيش المصري واجتياح الجولان من قبل الجيش السوري (للأسف انتصر السلاح وخذلته السياسة)، وخاض الأردن معركة الكرامة المجيدة (1968)، وخاضت المقاومة الفلسطينية عدة معارك باسلة مع إسرائيل وبالذات اثناء حصار بيروت من قبل إسرائيل (1982).
إن الدول العربية ليست الوحيدة التي تعرضت للهزائم ففرنسا مثلاً استسلمت ثلاث مرات في تاريخها، وألمانيا استسلمت مرتين (بعد الحربين العالميتين)، واليابان استسلمت استسلاماً غير مشروط في نهاية الحرب العالمية الثانية (1945)، ولكن هذه الدول قامت ونهضت واستعادت مسيرتها بعد سنين ليست طويلة وكلنا يعلم أن فرنسا الآن دولة نووية وإحدى الدول الغنية السبع (G7)، وألمانيا ذات رابع اقتصاد في العالم، واليابان ذات ثالث اقتصاد في العالم.
إنّ هزائم الأمم والشعوب والدول هي جزء من حياتها، ولكن عدم تجاوز هذه الهزائم هو الأمر غير الطبيعي والذي يدعو إلى المراجعة والتأمل ففي الحالة العربية لم يتمكن العرب من تحرير أراضيهم باستثناء سيناء التي استعادتها مصر بعد توقيع اتفاقية كامب ديفيد (1978) التي أخرجت مصر عملياً من معادلة الصراع العربي الإسرائيلي وأخلّت إخلالاً فادحاً بتوازن القوى بين العرب وإسرائيل، أما باقي الأراضي العربية التي تم احتلالها في عام 1967 فما زالت كذلك بل عمدت إسرائيل إلى ضم الجولان السوري في عام 1981، وامعنت في استيطانها للضفة الغربية (أكثر من 700 ألف مستوطن) كي تحول دون قيام دولة فلسطينية وفقاً "لحل الدولتين"، وأبقت على قطاع غزة كسجن كبير لمليونين من الفلسطينيين.
تُرى ما الأسباب التي "أبدّت" نتائج الحرب الكارثية في عام 1967 بحيث أن العرب لم يستطيعوا حتى بعد مرور (56) عاماً أن يحرروا أراضيهم ويتجاوزوا هزيمتهم؟
إنّ هناك جملة أسباب لابدّ من الإشارة إليها:
أولاً: تشرذم الموقف العربي والأخذ بالحلول الانفرادية فقد قامت مصر (1978) بعقد اتفاقية (كامب ديفيد) كي تسترجع سيناء (ولو منقوصة السيادة حيث لا تستطيع تحريك قواتها على أرضها إلا حسب بنود الاتفاقية)، كما قام الفلسطينيون بعقد اتفاقيه أوسلو (1993) والتي لم تُتوج بقيام دولة فلسطينية كما كان مأمولاً بل على العكس انتهت إلى مزيد من الاستيطان الإسرائيلي في الضفة الغربية، واعتداءات تدميرية متكررة على قطاع غزة، كما قام الأردن بعقد اتفاقية وادي عربة (1994) مع إسرائيل والتي لا يبدو أنها سوف تُنهي الأطماع الإسرائيلية في الأردن كما عبرّ عن ذلك بصراحة وزير المالية الإسرائيلي " سمورتش" الذي خطب أخيراً في باريس وأمامه خارطة لإسرائيل تضم فلسطين، والاردن، وسوريا، وأجزاء من المملكة العربية السعودية!
ثانياً: تعثر المقاومة الفلسطينية التي لم تستطع أن توحد بوصلة نضالها باتجاه فلسطين وخاضت معارك لا معنى لها في الأردن ولبنان حارمةً نفسها في النهاية من أية حواضن محيطة بفلسطين، ومما زاد الأمر سوءاً الانقسام الحاصل الآن بين فتح (انطلقت في عام 1965) التي تدير السلطة الفلسطينية وتؤمن بالحلول السياسية، وبين حماس (انطلقت في عام 1987) التي تدير قطاع غزة وتؤمن بالكفاح المُسلح والمواجهة العسكرية مع إسرائيل.
ثالثاً: تراجع التأييد العربي للشعب الفلسطيني واعتبار القضية الفلسطينية هي القضية المركزية للعرب جميعاً (بما يتجاوز البيانات الانشائية المكرورة طبعاً)، والواقع أن الحرب العراقية الإيرانية (1980 – 1988) واحتلال العراق للكويت ثم الغزو الأمريكي للعراق (2003) أضر إضراراً شديداً بالقضية الفلسطينية وشتت الانتباه عنها، بل وحرمها من ثقل العراق وقوته في ميدان الصراع، والمؤسف أن الوضع انتهى على هذا الصعيد إلى نجاح إسرائيل في التطبيع مع ست دول عربية، ومقاربة نتنياهو الآن هي التطبيع الشامل مع العرب لإضعاف الفلسطينيين وإشعارهم بالخذلان وبأن لا أمل لهم إلا بقبول "حكم ذاتي" محدود تحت الهيمنة الإسرائيلية.
رابعاً: الانحياز الغربي (وبالذات الأمريكي) لإسرائيل وتزويدها بالأسلحة التي تجعلها متقدمة (نوعياً) على جميع الدول العربية مجتمعة، وتوفير الغطاء السياسي لها والذي يمكنها من ممارسة كل الانتهاكات الممكنة ضد الشعب الفلسطيني بدون أن تخشى أية عواقب سياسية في الأمم المتحدة أو غيرها وكأن إسرائيل هي دولة "فوق القانون" كما يقولون.
وختاماً، فهل يمكن أن نصحو يوماً وقد جعلنا الخامس من حزيران وراء ظهورنا؟ هل يمكن أن نعيش لنشهد تحرير بقية الأراضي العربية التي تمّ احتلالها قبل ست وخمسين عاماً؟ إنّ الوضع العربي الحالي لا يبشر بذلك، ولعله لا سبيل إلى تحقيق هذا الحلم إلا بتجاوز ما أشرنا إليه آنفاً أيّ بتحقيق وحدة الموقف العربي، وإنهاء الانقسام الفلسطيني، وتحييد الانحياز الغربي لإسرائيل من خلال الضغط على مصالحه الكثيرة والمهمة في المنطقة العربية وكل ذلك لا يتم إلا بوعي الأمة وإدراكها لأهمية العلم والعمل بدأب ومثابرة لتحقيق الأهداف فلا شيء مستحيل إذا توفرت الإرادة الحقة المتسلحة بالتصميم والأخذ بأسباب النجاح.
مدار الساعة ـ نشر في 2023/06/17 الساعة 11:14