لطالما خشيت مجالسة هذا الرجل بمقدار عشقي حضوره فهو خير من يقدم مفردات الحياة ويطرق زواياها المعتمة ليلقي عليها ذلك الضياء .. فيلسوف من نوع فريد تمتزج فيه الفكرة بالأدب بالروح فلا تجد حروفا ينطقها إلا ويضفي عليها دفء الإحساس ويكأنها تجري أمامك قد دبت فيها الحياة بكل أمل مهما كانت قاسية .. في كل جلسة كان يذهب فينا ابو اكاد للعمق كنا نجلس تلاميذا لنستمع ونستمتع ونضطر للصمت في حضرة من ألبسه الله رداء الكبرياء ولو عنوة .. كلما خفض لنا جناحه أدركنا من فورنا اننا تلاميذ امام استاذ كبير في عطاء النفس قبل اليد والفكر قبل الفكرة والتأدب قبل الأدب وقد زاده تواضعه مكانة في نفوسنا فيزيد شوقنا اليه بمقدار تلك الخشية ..
لطالما خشيت على لساني من أن يزهف ولو بشطر كلمة ففي حضرة الكبار يوما غاص عميقا ليناجز مفردات الوعي وهو يتحدث عن العدالة والعدل فاكتشف أنني وبعد اكثر من ربع قرن في قطاع فلسفة الحق بأنني لا أعلم ..
رجل ليس كغيره من الرجال كان يتنفس حب الناس فودعه ونعاه عشرات الآلاف من جذور نفوسهم.. ابو اكاد اوجع قلوبنا رحيله وعلى حد وصف محب (شلع قلوبنا) .. يا الله كم هو مؤذٍ فراقه حتى قلت في نفسي ليتني ما عرفته .. عاش شامخا ورحل كبيرا ورحيل الكبار موجع .. لا زلت اتذكر آخر كلماته لي.. في المستشفى أصر على النهوض ببدنه ومجالستنا على كرسي.. بالكاد كان جسده الضعيف يقوى على حمله لكن حمله ذلك الشموخ وكرامة الرجال عند الرجال .. جلس وتحدث ببرد اليقين وعمقه وأمله المعتاد وروحه الطيبة .. لكن أشد ما كان من حديثه على النفس هو آخر ما أوصاني به .. الأردن والملك .. قال لي أن الأردن تعب من أجله الآباء والاجداد حتى بنينا دولة وهذه الأرض مروية بالحب ودماء الشهداء.. الهاشميون ليسوا كغيرهم.. ((ديروا بالكو على الاردن والملك)) .. دقيقتان هي الزيارة احسست فيهما انهما سنتان من الألم وقد علمت كما علم انه الفراق.. رحمك الله تعالى أخي يسار الخصاونة رحمك الرحمن الرحيم يا ابا اكاد ..