تعكس الرؤية الملكية العميقة الاهتمام بالقطاع الصناعيّ، الّذي يعدّ الركيزة الأساسيّة لتحقيق التنمية المستدامة والاستقلال الاقتصاديّ، خاصّة أنّ الإرشادات والتوجيهات الملكيّة تضع أمام الحكومة مسؤوليّة مضاعفة في دعم الصناعة الوطنيّة والترويج لها وإزالة العراقيل الّتي تواجهها.
غرف الصناعة قادرة اليوم على التقاط الإشارات الملكية ومهتمّة بسرعة الاستجابة لهذه التوجيهات وبانتظار عكسها إلى إجراءات حكوميّة في تسريع وتيرة التحفيز وتسهيل وتبسيط الإجراءات أمام القطاع الصناعيّ الّذي أثبت في ظلّ أصعب الظروف قدرته على التعامل مع المتطلّبات واختراق الأسواق في ظلّ المنافسة غير المتكافئة الموجودة مع بعض المنتجات.
وهنا يأتي دور الحكومة في الاستجابة بسرعة وفعاليّة لتنفيذ الرؤية الملكية، وعلى الحكومة أن تبادر إلى تطبيق سياسات اقتصاديّة فاعلة تؤدّي إلى تعزيز دور الصناعة الوطنيّة في الاقتصاد الأردنيّ، الأمر الّذي يتطلّب تحسين بيئة الأعمال، والعمل على تنمية الموارد البشريّة وتقديم الدعم الماليّ والتقنيّ للقطاع الصناعيّ.
السياسات الاقتصاديّة لجلالة الملك عبداللّه الثاني تتميّز بالتركيز على تعزيز القدرات الإنتاجيّة والتصديريّة للصناعة الوطنيّة، فقد أجرى جلالته عدّة لقاءات مع ممثّلي القطاعات الصناعيّة، واستمع إلى مشاكلهم وتوجيهاته للحكومة بمتابعة قضاياهم والإجراءات المناسبة، خاصّة في ظلّ ما يواجهه القطاع الصناعيّ في الأردنّ من تحدّيات متعدّدة، وأبرزها العراقيل الّتي تعترض صادراته، بسبب عدم التزام بعض الدول باتّفاقيّات التجارة بشكل تامّ، مع ذلك، فإنّ الصناعة الوطنيّة لا تزال تواجه هذه التحدّيات بقوّة وثبات، ما جعل جلالته يؤكّد على ضرورة الترويج لقدرة الصناعة الوطنيّة ودعمها.
خلال جائحة كورونا، أشاد جلالة الملك بقدرة وكفاءة الصناعة الوطنيّة، الّتي أثبتت أنّ الاعتماد على المنتجات المحلّيّة أصبح أكثر أهمّيّة من أيّ وقت مضى، فقد تمكّن الأردنّ من تلبية احتياجاته من الموادّ الغذائيّة والكيميائيّة والدوائيّة وغيرها من المنتجات المحلّيّة، ممّا أدّى إلى الاستغناء عن البدائل المستوردة لأشهر طويلة.
وأكّد جلالته أنّ دعم الصناعة الوطنيّة يجب أن يظلّ أولويّة رسميّة بصورة دائمة، ليس فقط كدعم لقطاع معيّن، بل كرسالة تعزّز الاعتماد على الذات والقدرة على تحقيق التنمية المستدامة بسواعد محلّيّة.
الصناعة الوطنيّة الأردنيّة تصل إلى أكثر من 130 سوقاً حول العالم، وهي تسهم بأكثر من 85 % من الصادرات الوطنيّة، ما يؤدّي دوراً رئيساً في زيادة الدخل القوميّ وجذب العملات الأجنبيّة.
ونجد أنّ التركيز الإستراتيجيّ لجلالة الملك على دعم الصناعة الوطنيّة يعكس رؤية واضحة للأهمّيّة الاقتصاديّة والإستراتيجيّة لهذا القطاع، الصناعة الوطنيّة ليست مجرّد قطاع اقتصاديّ، بل هي جزء أساسيّ من هويّة الأردنّ وقوّته، وهي الركيزة الأساسيّة لتحقيق التنمية المستدامة والاستقلال الاقتصاديّ.
تعزيز الصناعة الوطنيّة ليس فقط من شأنه أن يزيد من قدرة الأردنّ على التكيّف مع التغيّرات العالميّة، بل سيسهم أيضاً في خلق فرص عمل جديدة وتعزيز الاستقرار الاقتصاديّ.
الدعم الحكوميّ للصناعة الوطنيّة يجب ألّا يكون مقتصراً على الجوانب النقديّة فحسب، بل يجب أن يشمل أيضاً بناء بيئة عمل مشجّعة ومثمرة تسمح للمصنّعين بالابتكار والتجديد، والابتكار هو القوّة الدافعة للنموّ الاقتصاديّ، والأردنّ يمتلك القدرة على تحقيق هذا من خلال تعزيز الصناعة الوطنيّة.
الدور الأكبر للحكومة هو توفير الدعم الضروريّ للشركات الناشئة والمؤسّسات الصغيرة والمتوسّطة في القطاع الصناعيّ، وتشجيعها على النموّ والتوسّع، وهذا يتطلّب تبنّي سياسات تشجّع على الاستثمار في البحث والتطوير، وتحسين البنية التحتيّة، وتبسيط الإجراءات الإداريّة.
ومن جانبه، يحتاج القطاع الصناعيّ الأردنيّ إلى استثمار أكبر في تدريب وتطوير القوى العاملة، مع الاهتمام بالمعرفة والمهارات التقنيّة الحديثة، ممّا يسهم في تحقيق رؤية الملك الإستراتيجيّة لتعزيز قدرة الصناعة الوطنيّة على التنافس على الصعيد الدوليّ.
بالإضافة إلى ذلك، يجب تعزيز التعاون بين الجامعات والقطاع الصناعيّ، لتحقيق التحوّل نحو صناعة مبتكرة وقويّة تلبّي احتياجات الأردنّ الاقتصاديّة، وتمكّنه من مواجهة التحدّيات العالميّة المستقبليّة.
بتنفيذ الرؤية الملكية والتركيز على الصناعة الوطنيّة، سنتمكّن من خلق اقتصاد متين ومستقرّ يسهم في النموّ والرفاهية للجميع.
الصناعة الوطنيّة هي الأمل لمستقبل اقتصاديّ أكثر قوّة واستقراراً، لذلك، يجب على الحكومة أن تتحلّى بالرؤية والشجاعة لتنفيذ الإستراتيجيّات المناسبة لتعزيز هذا القطاع الحيويّ، بما يتوافق مع التوجيهات الملكية وتطلّعات القطاع الصناعيّ.