استمرارا لجهودها بالقاء المزيد من الضوء على تاريخ الأردن المعاصر، استثمرت جماعة عمان لحوارات المستقبل، مناسبة مرور عام على وفاة التربوي و المفكر الاستاذ الدكتور أحمد يوسف التل، فاقامت ندوة حول جوانب من حياته، تحدث خلالها عدد من القامات هم دولة الدكتور عبد الرؤوف الروابدة، ومعالي الدكتور جواد العناني، ومعالي الدكتور عزمي محافظة ومعالي السيدة هيفاء النجار والسيد خالد مسمار.
لقد جاءت هذه الندوة ترجمة لقناعة الجماعة بأن في بلدنا رجلا لم بنالوا حقهم من التعريف بهم رغم ماقدموه لبلدهم، ومن هؤلاء الراحل الذي كان من رجالات الاردن، حمل الكثير من سمات هذا الوطن، وأولها التسامح، والقبول بالاخر والايمان بالتنوع ،وهو التنوع الذي عززه في شخصية الراحل كثرة تنقله بين المدن والبيئات الاجتماعية، فمن اربد التي ولد فيها يوم كانت بلدة وادعة، إلى القدس حيث قاتل دفاعا عن فلسطين، يوم كان ضابطا في الجيش الأردني هو واخوته الثلاث عبدالله قائد معارك القدس وزكي ومحمود، ومعهم ثلة من أبناء عمومتهم الذين كانوا موزعين بين الجيش الأردني وجيش الإنقاذ،على رأسهم الشهيد وصفي التل، بينما كان بعضهم الاخر في صفوف المتطوعين لقتال العصابات اليهودية، ثم القاهرة طالب علم في جامعتها الأمريكية، ثم العودة إلى اربد مرورا بوارسو، فالطفيلة حاكما ادريا، قبل أن ينتقل إلى وزارة التربية والتعليم، ثم الى بيروت طالبا للعلم في جامعتها الأمريكية أيضا ، ثم العودة إلى اربد التي عمل فيها على فترات معلما ومدير مدرسة وصولا لموقع مديرا للتربية والتعليم، قبل أن يستقر في كراتشي باكستان لسنوات مستشارا ثقافيا للاردن هناك، نال خلالها درجة الدكتورة، إضافة إلى لندن بحثا عن المزيد من العلم والمعرفة، ثم إلى الولايات المتحدة الأمريكية بحثا عن المزيد من المعرفة.
هذا التجوال الذي مارس خلاله الراحل التدقيق بعين الفاحص، فيما يشاهد ويعايش، عزز بشخصيته نزوعها للتعدد، وروح الانفتاح، خاصة في نظرته للمرأة وايمانه بدورها في المجتمع، وهو ايمان طبقة على حياته الشخصية فقدم لمجتمعه اثنتين من المع نساء المجتمع الأردني، هما ابنتيه المخرجة المسرحية والتربوية لينا التل و الإعلامية بيان التل التي شغلت موقع المدير العام لمؤسسة الإذاعة والتلفزيون، وهي الآن من أسرة معهد الإعلام الأردني، ومن الفريق الموكل اليه إدخال التربية الإعلامية إلى المناهج المدرسية.
لقد انعكس تنوع مصادر معرفة الراحل احمد يوسف التل ثراء في ثقافته التي فراغها في مؤلفات، فكتب عدة كتب عن التعليم صارت مراجع لمن يريد معرفة تاريخ التعليم في الأردن وتطوره، وهي كتب تجمع بين الخبرة العملية في التدريس والادرات التعليمية، فقد مارس التعليم لكل مراحله كما مارس الإدارة التعليمية بمختلف درجاتها وصولا إلى امين عام وزارة التعليم العالي، قبل أن ينهي مسيرته المهنية أستاذا جامعيا، وبين التعليم والبحث في أحدث نظريات التعليم في أرقى الجامعات.وكما كتب عن التعليم وتطوره كتب عن تطور المجتمع كما في كتابه المجتمع الأردني المعاصر والتحولات في السياق القومي،و كتب في أسباب تخلف المجتمع كما في كتابه لماذا تراجع العرب، وكتابه ظاهرة الصراع في الفكر العربي، كما وكتب في سياسات النهوض كما في كتابه السياسات الثقافية في الأردن، وكتب في التحديات التي تواجه المجتمع كما في كتابه الإرهاب في العالمين العربي والإسلامي. وكتب في السير كما في كتابه عن شقيقه عبدالله التل وكما في مذكراته هو.
بالنسبة لي لم يكن المرحوم مجرد قريب بالدم، بل كان صديقا حميما، بدأت علاقتي به مبكرا في بدايات سبعنيات القرن الماضي عندما كان هو مديرا للتربية والتعليم في اربد وكنت أنا طالبا مشاكسا، يجيد اصدار البيانات وقيادة المسيرات، يوم كانت مدارسنا تمور بالفكر و العمل السياسيين، وكان طلابها راس حربة للعمل السياسي، وكان المعلمون المتحزبون يتنافسون على استقطاب طلابهم كل إلى حزبه، وطالما اوقعت الاستاذ احمد في الحرج الذي كان يعالجة بسعة الصدر التي عرف بها، ومع الايام توطدت علاقتنا فكان شريكا دائما في نشاطات وندوات المركز الأردني للدراسات والأبحاث ونشاطات وندوات جماعة عمان لحوارات المستقبل فيما بعد، لذلك فإنني أشعر بفقد كبير برحيله.