مع دخول الحرب الروسية–الأوكرانية شهرها السادس عشر، نرى أن هذه الحرب ستتجه نحو اللاحرب واللاسلم في الفترة القادمة، بإنتظار من سيفوز بالإنتخابات الأمريكية القادمة لعام 2024 لإتخاذ قرار الجلوس على طاولة المفاوضات،وهذا ما توقعته منذ أكثر من عام في مقالتي التي نشرتها الصحافة الغربية والمحلية في جريدة الرأي الغراء بأن الحرب لن تُحسم قبل عام 2024, لكن ما نشاهده الآن هو حرب باردة بين الطرفين وحلفائهم، فما حصل على الأرض سابقاً قد حصل، حيث أن الجانب الروسي سيطر على المقاطعات الأربع وهي دونيتسك، لوهانسك، خيرسون وزابا?وجيا وإتخذ مواقع دفاعية للتمسك والدفاع عنها, وهدد بأنه سيطبق العقيدة العسكرية الروسية على هذه المناطق بأنها جزءاً من الأراضي الروسية، وسيدافع عنها حتى لو إضطر إلى إستخدام السلاح النووي.
على الجانب الغربي لا يزال الغرب يدعم أوكرانيا ويزودها بالسلاح،مع أن الخبراء العسكريين الإستراتيجيين يعلمون بأن ذلك لن يفضي إلى إسترجاع هذه المقاطعات، لأن روسيا بدأت الحرب بعملية عسكرية حولتها إلى حرب محدودة بخطط محكمة أدت إلى هذا الوضع الذي عليه الآن, في حين كان الغرب بقيادة الولايات المتحدة يدعم الأوكرانيين بناءً على تطورات الموقف بدون خطط مدروسة، فكان السلاح المتنوع الذي مدت به الأوكرانيين عبئاً عليهم ونقص قطع الغيار والذخيرة والسلاح الذي صعب الأمر على الخطط الأوكرانية،وما زاد الطين بلة قيام روسيا بقطع س?اسل الإمداد الأوكرانية وضرب البنية التحتية من كهرباء وماء وطاقة ونقل مخازن سلاح وغرف العمليات.
فالخطة الأوكرانية أصبحت الآن عاجزة أن تقوم بأي هجوم معاكس لإستعادة أي من هذه المقاطعات، فقامت بضرب أهداف داخل العمق الروسي، وهذا لن يغير أي معالم على الأرض الأوكرانية، فقط لرفع معنويات الشعب الأوكراني والجنود الأوكرانيين في المعركة, في حين لا زال الإلتزام الغربي بتسليح أوكرانيا الذي تجاوز كل الخطوط الحمر التي وضعتها روسيا لحلف الناتو, لكن الغرب يدرك بأن التسليح الجديد هو لإستمرارية الحرب التي يتنفع منها شركات النفط والسلاح من العالم الغربي والتجار والوسطاء، فتزويد أوكرانيا بالطائرات المقاتلة مثل ف 16 حتى و?و تم لن يغير مجريات المعركة فروسيا تملك أكثر من 1000 مقاتلة من الجيل الرابع التي تضاهي طائرات الغرب, فتسليح أوكرانيا للفترة القادمة من الطائرات على أحسن الأحوال لن يتجاوز 100 طائرة، وهذا لن يحدث الفارق الكبير, إضافة الى المدرعات والدبابات الحربية التي تصنع في المصانع الغربية للفترة القادمة.
لقد أدرك الرئيس الأوكراني زيلينسكي بأن الحرب لن تحسم بهذه الطريقة, لذلك بدأ المطالبة الفورية بالإنضمام إلى حلف الناتو لنقل الحرب إلى كل أوروبا, وهدد بأنه لن يحضر الإجتماع القادم للحلف إذا لم يوافق على طلبه, لكن الحلفاء الأوروبيين، يدركون أن إنضمام أوكرانيا للحلف سيشكل خطراً كبيراً عليهم لانهم سيدخلون بمواجهة مباشرة مع روسيا, فقد عارضت وزيرة الخارجية الألمانية ذلك وقالت: » لا يمكن للناتو قبول عضوية دولة تخوض حرباً »، ناهيك عن الأعباء الإضافية الإقتصادية التي ستشكلها أوكرانيا على هذا الحلف عند إنضمامها له.
إن الواقع الحالي هو وعود لأوكرانيا بضمها للناتو ضمن خارطة طريق طويلة لا تفضي الى هذا الإنضمام, والإستمرار بتسليح أوكرانيا بشكل سنوي لتبقى رأس الحربة الموجه نحو روسيا للسنوات القادمة.
لقد أظهرت الحرب الروسية الأوكرانية نتائج إقتصادية عكسية على العالم وعلى الغرب بشكل خاص من إحتمالية دخول العالم في الركود, نتيجة التضخم وعدم تحقيق النمو المطلوب وإرتفاع في الأسعار ومنها أسعار الطاقة التي بلغ معدل سعر برميل النفط للعام الماضي 103 دولار، إضافة الى فقدان الغرب لبعض حلفائهم الهامين،وصعود أقطاب عالمية جديدة بقوة إقتصادية قد تغير الترتيب العالمي لذلك, فقد رأينا كيف أن مجموعة دول البريكس تجاوز ناتجها المحلي الاجمالي مجموعةG7 للمرة الأولى الشهر الماضي, وفقدت الولايات المتحدة سيطرتها على التحكم بالن?ط العالمي من خلال أوبيك بلس, فالقرارات التي أتخذت سابقا بكميات الإنتاج لم تصب بصالح الغرب وخصوصاً الولايات المتحدة.
فالحرب الروسية الأوكرانية مكنت أكبر منافس إقتصادي للولايات المتحدة وهي الصين من القيام بأدوار سياسية وإقتصادية في العالم، فما قامت به الدبلوماسية الصينية خلال الستة أشهر الماضية عجزت عنه الولايات المتحدة في 60 عاماً مضت, وقد أثرت الصين على حلفاء الغرب التقليديين، وجعلتهم يتعاملون بتوازن مع الدول العظمى بما يحقق مصالحهم الخاصة، فدفعتهم بالإتجاه شرقاً نحو الصين وحلفائها.
إذاً الحرب الروسية الأوكرانية، بنظري قد حسمت وما يجري الآن هو حرب باردة بين الطرفين وحلفائهم، فالتحالفات الإقتصادية الجديدة ستتشكل، فأوروبا لن تبقى على هذه الحال، فقرارها القادم لن يرضي الولايات المتحدة, لذلك على الولايات المتحدة إدراك ما سيحصل في العالم ومد جسور متزنة جديدة بإتجاهين وليس بإتجاه واحد, لإنقاذ إقتصادها القادم وخصوصا بأن مشكلة سقف الدين قد علقت ورُحلت لبداية عام 2025، وقد قدم الرئيس الأمريكي تنازلات في خططه ستجعل من إقتصاد الولايات المتحدة يعاني بدون تحقيق أي نمو في المستقبل القريب, وسيتعمق ا?خلاف بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي الذي قد يؤدي إلى مزيد من الخلافات التي لا تصب في صالح الإقتصاد الأمريكي, في حين تتسارع الأقطاب الأخرى في تجهيز هيكلة إقتصادية جديدة تبنى على التكامل والإحترام المتبادل فيما بينها وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لأعضاء التحالفات الجديدة.