أخبار الأردن اقتصاديات دوليات مغاربيات خليجيات برلمانيات جامعات وفيات رياضة وظائف للأردنيين أحزاب مقالات أسرار ومجالس مقالات مختارة تبليغات قضائية مناسبات مستثمرون جاهات واعراس الموقف شهادة مجتمع دين اخبار خفيفة ثقافة سياحة الأسرة طقس اليوم

حسونة


عبدالهادي راجي المجالي
abdelhadi18@yahoo.com

حسونة

مدار الساعة (الرأي الأردنية) ـ
زمان في أيام الشقاء الجميلة, كنا نجلس في الزوايا القريبة من حارتنا.. كي ندخن, زاوية أنا اخترتها واقنعت الرفاق بها.. واقتنعوا بالطبع, كان معنا فتى اسمه حسونة.. وظيفته أن يراقب زواريب الحي والحارات.
حسونة لم يكن يشاركنا في شيء, كانت وظيفته المراقبة فقط.. حين ندخن يجلس في أول (الدخلة).. وأحيانا يخبرنا بأن (تهاني) جاءت, وبصراحة أنا كنت استغرب من هذه البنت.. كانت تقوم بنقل الطناجر بين الحارات, وظيفتها (ديلفري)... وهي مستعدة لخدمة الجميع دون مقابل..
تطورت وظيفة (حسونة) وارتفع منسوب الشهامة لديه, صار يراقب أيضا اللقاءات العاطفية التي تندلع على عجل, وللأمانة كان الفتى مؤتمنا ولا يفضح الأسرار, أيضا صار يراقب أبي إذا سرقت السيارة, وذات يوم أكد لي أنه لن يفيق قبل السابعة.. أنا أصلا لم أكن أسرق السيارة إلا بوجود (حسونة).. وجوده يشعرك بالأمان, حتى الرسائل التي كنت أكتبها لطالبات الأول ثانوي (ج) كانت تصل بأمان, وكان يخبرني بردة فعلهن... وذات يوم مزقت رباب الرسالة, لكن حسونة لم يغضب مني وتقبل الأمر, وطلب مني نسيان رباب..
كنا أيضا نرسله لشراء الدخان ويفعل, حتى المهمات الصعبة كان ينفذها من دون تردد.. مثلا عملية الصعود من الباب الخلفي لباصات مؤسسة النقل العام وعدم دفع الأجرة, كانت تنفذ بدقة متناهية.. فهو يعرف السائق الذي يراقب المرايا, ويعرف السائق الذي يدقق...
عمليات الهروب من المدرسة أيضا, كانت تتم بإشرافه التام.. هو من يختار المكان الجيد وهو من يرمي لنا الحقائب من داخل السور, لا أنسى أنه أيضا كان.. يعرف تفاصيل دقيقة عن (الهوشات) التي تندلع بين الأزواج في الحارة... وعن الخلافات الأسرية وما إلى ذلك.
ظل حسونة طوال فترة الخدمة في المدرسة معي, كان مثل ظلي تماما... سرقنا أسئلة الرياضيات سويا, وللأسف رسبنا في الإمتحان.. وقمنا أيضا بالعمل في المقصف المدرسي والنقص الحاصل في أثمان السندويشات كان يتحمله هو, وفي التوجيهي... أحضر دفتر الطالب الذي يجلس أمامي ونقلت منه إجابات مادة التاريخ.
أنهينا المدرسة وافترقنا, أنا ذهبت للجامعة وحسونة غادر مع أهله للخليج.. ظلت الأماكن التي تذكرني به, والزوايا.. ورباب التي أحببتها صار لديها (7) أولاد, وقد أخبروني مؤخرا أنها أصيبت بالسكري.. وتعاني من تورم القدمين, وما زالت حين تغضب من أحد (تصرخ) في وجهه..
حسونة علمني في الطفولة أهم دروس السياسة, هنالك دول تتعامل مع بعضها مثلما كان حسونة يتعامل معي..
قرأت خبرا أمس يقول: النرويج ترفع مستوى الجاهزية العسكرية.. بعد التطورات في أوكرانيا, ذكرني هذا الخبر بحسونة حين كان يذهب لشراء الدخان الفرط لنا.
مدار الساعة (الرأي الأردنية) ـ