مدار الساعة - يحتفل الأردنيون، والجيش العربي، في يومي التاسع والعاشر من حزيران/يوينو من كل عام، بمناسبات وطنية عظيمة، وهي يوم الجيش، وذكرى الثورة العربية الكبرى، وعيد الجلوس الملكي؛ إذ يستذكر الأردنيون وأحرار الأمة البطولات والتضحيات الجسام التي قدمها الجيش العربي المصطفوي، التي قادها الهاشميون أبناء هذه الأمة في أعظم ثورة شهدتها الأمة العربية في تاريخها الحديث، فكانت هذه الثورة البداية الأولى لنهضة الأمة ووحدتها والخطوة الأولى على طريق تحررها.
والعاشر من حزيران/يونيو، هو ذكرى الثورة العربية الكبرى ويوم الجيش العربي، يخطر في البال عند ذكرهما الأحداث العظيمة في تاريخ هذه الأمة؛ عندما وقف الهاشميون وفاء لواجبهم ومسؤولياتهم التاريخية، وقادوا الأبناء في أعظم ثورة شهدها التاريخ السياسي العربي الحديث؛ شكلت البداية الأولى لنهضة الأمة العربية، والخطوة الأولى على طريق تحررها ووحدتها.
الثورة العربية الكبرى ويوم الجيش.. غرسٌ هاشمي باسق مثمر بالعزة والكبرياء
القوات المسلحة الأردنية- الجيش العربي ومنذ أن تأسست الدولة الأردنية، حمل الجيش هذا الاسم، وازدانت هامات أبطاله بشعار الجيش العربي، وهو يحمل ويدافع عن رسالةٍ إنسانية، ليعم الأمن والسلام والطمأنينة أرجاء العالم، نهجاً عربياً هاشمياً، لنواته الأولى التي تشكَّلت من جيش الثورة العربية الكبرى، والتي قامت من أجل الوحدة العربية والحرية والاستقلال ودفع الظلم عن المظلومين، وإشاعة مبادئ الإنسانية ليعم السلام والأمن وتعم بين الناس روح التواد والتراحم.
يحتفل الوطن الأبهى بمناسبات غالية على قلوبنا، ذكرى الثورة العربية الكبرى، ويوم الجيش، ويأتي الاحتفال اليوم تأكيداً على تعزيز المنجزات الوطنية، ومواصلة بناء الدولة، حيث يستذكر الأردنيون وأحرار الأمة البطولات والتضحيات الجسام، التي قدمها الجيش العربي المصطفوي منذ بدايات تشكيل الدولة، وقد قاد الهاشميون أبناء هذه الأمة في أعظم ثورة شهدتها الأمة العربية في تاريخها، حيث كانت هذه الثورة، هي البداية الأولى لنهضة الأمة ووحدتها، والخطوة الأولى على طريق تحررها.
وفي الحديث عن ذكرى هذه المناسبات الكبيرة، فإننا نتحدث عن تاريخنا القومي الحديث الذي كانت فيه الثورة العربية الكبرى منطلق مسيرتنا الخيرة، والمرجع الذي يجمعنا، والرسالة التي نحملها، لقد كانت فكراً قومياً توحد على يد قائد هاشمي حكيم امتد عبر السنين والأجيال، يوجه مسيرة أمة ويرسم لها معالم آمالها وأحلامها وتطلعاتها.
القوات المسلحة الأردنية- الجيش العربي، هيبة الوطن وعنوان أمنه واستقراره، حاملة إرثّ رسالة الثورة العربية الكبرى، والامتداد الطبيعي لجيشها وفيلق من فيالقها، ارتبط تاريخه بتاريخها ارتباطاً عضوياً، وتشكلت نواته من النخبة التي اتحدت تحت راية سمو الأمير عبدالله الأول ابن الحسين في الحادي والعشرين من تشرين الأول عام 1920 في معان، بعد أن كان لها دور كبير في عمليات الثورة العربية الكبرى التي انطلقت من بطحاء مكة على يدِّ الشريف الهاشمي الحسين بن علي في عام1916.
ويشكل الجيش العربي ركناً أساسياً من أركان الدولة الأردنية، وله مساهمة كبيرة في تطور الدولة وتحديثها على المستويات كافة، ويتطور بفضل الرعاية الهاشمية المتواصلة منذ عهد الملك المؤسس عبدالله بن الحسين، الذي أراد له أن يكون جيشاً عربياً مقداماً يحمل راية الثورة العربية، التي استمدت ألوان رايتها ومعانيها وقيمها وأهدافها من رايات الأمويين والعباسيين والفاطميين، فقد أكمل بنو هاشم مسيرة بناء هذا الجيش منذ عهد جلالة المغفور له بإذن الله الملك طلال بن عبدالله وجلالة المغفور له بإذن الله الملك الحسين بن طلال وصولاً إلى عهد القائد الأعلى للقوات المسلحة الأردنية- الجيش العربي عبدالله الثاني-حفظه الله ورعاه-الذي وصل بالأردن وجيشه إلى مراتب التميز مكملاً مسيرة خير مباركة مكللة بالعطاء والإنجاز والصبر والتحدي، وكان الإنسان الأردني محورها والعمود الفقري هذا الوطن العزيز بأهله وقيادته ومؤسساته.
بدأ تأسيس الجيش العربي في معان في الفترة الأولى من تأسيس إمارة شرق الأردن عام 1921، وبعد تشكيل أول حكومة أردنية في الإمارة تم تأسيس أول قوة عسكرية بلغ قوامها
(750) رجلاً من الدرك والمشاة النظامية والهجانة والتي سميت بالقوة السيارة، وتولى قيادتها الكابتن البريطاني فريدرك بيك، وكانت أولى مهامها توطيد الأمن والاستقرار في البلاد، وتولى سمو الأمير عبدالله الأول منصب القائد العام للجيش، وعمل على تنميته وتزويده بالأسلحة وفق الإمكانات المتاحة حينها على أسس جديدة تأخذ بعين الاعتبار عبء المسؤولية الملقاة على عاتقه.
وفي الخامس والعشرين من أيار 1946 حقق الأمير عبدالله الأول ابن الحسين طموحات الشعب الأردني باستقلال البلاد، وبويع ملكاً دستورياً عليها، وظل جلالته يواصل مساعيه في تنمية الجيش وتعزيز الروح العسكرية فيه رغم الصعوبات التي كانت تواجهه آنذاك، وكان نشامى الجيش العربي يفتخرون بالشعار الذي يزين جباههم، بمعانيه السامية والذي يستمد منه العزم والعمل، أما الاحتراف والتميز فهما عنواناً لهذا الشعار، إنهم رجال نذروا أنفسهم منذ تأسيسه للدفاع عن قضايا الوطن والأمة العربية الكبيرة، فهي رسالة الهاشميين وأهداف ثورة أحرار العرب وهي الرسالة التي حملها هذا الجيش وأصبحت إرثاً تاريخياً يعتز به وينافح عنه بالمهج والأرواح.
وفي مرحلة ما بعد الاستقلال، ظل الملك المؤسس يرعى الجيش العربي، ويعمل على تنميته وتطويره، وكان للجيش العربي مشاركته المشرفة في حرب فلسطين عام 1948، والتي سطر فيها صفحات البطولة، وقدم قوافل الشهداء التي لا زالت أرض فلسطين تنعم بنجيعها على بوابات القدس واللطرون وباب الواد وجنين وغيرها.
وعلى بوابة الأقصى في القدس الشريف عام 1951 استشهد جلالة الملك المؤسس، ليكتب عند الله شهيداً بإذن الله تعالى، ضارباً المثلّ الأعلى في التفاني والتضحية من أجل الوطن والأمة، ومن ثم انتقلت الراية في أيلول عام 1951 إلى الملك طلال بن عبدالله، حيث كان الأردن يقف بصلابة في وجه كل التحديات، فشُكل الحرس الوطني، وكان قوة احتياطية مهمة تقوم بمساعدة الجيش العربي في الدفاع عن ثرى فلسطين، إلا أن الأقدار كانت محتمة حيث ساءت صحة جلالته ونودي بجلالة الملك الحسين بن طلال رحمه الله ملكاً على البلاد في الحادي عشر من آب عام 1952 لمتابعة المسيرة الخيرة في الحكم.
جاء الأول من آذار عام 1956 ليكون يوماً مميزاً في تاريخ الأردن المعاصر، ويوماً يسجل بأحرف من نور في ذاكرة الوطن الخالد، حيث اتخذ الملك حسين قراره القومي والتاريخي بتعريب قيادة الجيش العربي لتكون القيادة عربية أردنية، والاستغناء عن خدمات الجنرال كلوب باشا والضباط الإنجليز.
واستمر الاهتمام بالجيش درع الوطن وحصنه المنيع، وانطلقت يد الحسين بإعادة بناء الجيش، حيث صدرت الإرادة الملكية عام 1956 بفصل الدرك عن الجيش وإلحاقه بوزارة الداخلية، وعمل على الارتقاء بالجيش وقيادته تسليحاً وتنظيماً، وتابع الحسين رحمه الله عملية بناء الجيش بدءاً بالتأهيل والتدريب واكتمالاً بالتسليح والتجهيز إلى أن وصل الجيش مصاف الجيوش الكبرى، فها هي أيام البطولة والفداء للجيش العربي الأردني لا تُنسى، حيث خاضّ فيها معارك الشرف والبطولة في العديد من الأقطار العربية، خاصة على ثرى فلسطين الطهور، فقدم الأردن في سبيل ذلك الكثير من الشهداء الذين لا زالت الأرض العربية شاهدة على تضحياتهم وإنجازاتهم، فقدموا في سبيل القضية الغالي والنفيس، فكان نضال الهاشميين والجيش العربي في سبيل الله أولاً ثم في سبيل رفعة الأمة وكرامتها، فهنيئاً لمن ارتقت روحه في سبيل الشهادة ودفاعاً عن الأمة العربية.
وهذا ليس بغريب على الجيش الذي أُريد له منذ البداية أن يكون جيشاً لكل العرب يحمل منتسبوه شعار الكرامة والعز والفداء، وجاءت تسميته بهذا الاسم نتيجة للدور الكبير الملقى على عاتقه في خدمة الأمتين العربية والإسلامية.
وفي عهد جلالة القائد الأعلى الملك عبدالله الثاني ابن الحسين ، ومنذ اللحظة الأولى لتسلّم جلالته سلطاته الدستورية نالت القوات المسلحة الأردنية – الجيش العربي من لدنّ جلالته نصيباً وافراً من الرعاية والاهتمام وهي تمارس واجباتها ومسؤولياتها التاريخية وطنياً وقومياً وعالمياً، وترتقي بمستوى أدائها وجاهزيتها، وتؤدي دورها الريادي في مختلف المجالات وفي ظل المستجدات على الساحتين الإقليمية والدولية، وتتميز بقدرتها وكفاءتها القتالية العالية بفضل ما أولاها جلالة القائد الأعلى من اهتمام كبير، حيث هيأ لها كل المتطلبات التي تمكنها من تنفيذ مهامها وواجباتها داخل الوطن وخارجه وذلك بما يتوافق مع تعدد أدوارها ومهامها، وقد أدرك جلالته وهو الذي خَبِرَ ميادين هذا الجيش، وبث الروح المعنوية لدى الجنود حيث سلّم جلالة الملك عبدالله الثاني علم جلالة القائد الأعلى كأعلى درجة تكريم عسكري في القوات المسلحة الأردنية – الجيش العربي لعدد من تشكيلات ووحدات ومديريات الجيش العربي تكريماً لما يبديه منتسبو هذه الوحدات من شجاعة وما يبذلونه من تضحيات وخدمات للوطن والمواطن، بالإضافة إلى تسليم وتداول راية الثورة العربية الكبرى برمزيتها بين وحدات الجيش العربي، حيث سلم جلالته في عام 2019 بحضور سمو الأمير الحسين بن عبدالله الثاني ولي العهد، علم جلالة القائد الأعلى إلى كتيبة الحسين الآلية /2 (أم الشهداء)، من لواء الشهيد الملك عبدالله الأول الآلي/90 أحد تشكيلات المنطقة العسكرية الشرقية، والتي قدمت منذ تشكيلها عام 1942 أكثر من 170 شهيداً.
وفي شهر آب 2022 رعى جلالة الملك عبدالله الثاني، بحضور سمو الأمير الحسين بن عبدالله الثاني ولي العهد، احتفال القوات المسلحة الأردنية – الجيش العربي في ميدان الراية لتسليم علم جلالة القائد الأعلى وراية الثورة العربية الكبرى لتشكيلات ووحدات القوات المسلحة.
من جانب آخر، فقد حظي تواجد القوات المسلحة الأردنية في ميدان حفظ السلام العالمي كقوة فاعلة، حيث استطاعت هذه القوات المسلحة، أن تنقل للعالم صورة الجندي الأردني وقدرته على التعامل بشكل حضاري مع ثقافات وشعوب العالم المختلفة، وأصبح الجيش العربي الأردني يرفد الدول الصديقة والشقيقة بالمدربين والمختصين المحترفين في مجال عمليات حفظ السلم والأمن الدوليين، وتم إنشاء معهد تدريب عمليات السلام كمركز إقليمي وعالمي للتدريب.
وما زالت القوات المسلحة تحمل اسم “الجيش العربي”، فهو جيشٌ لكل العرب والمسلمين انطلاقاً من رسالته الهاشمية الأصيلة، فكان له وقفة الجار مع الجار في جميع الظروف، إذ استقبلت قوات حرس الحدود في السنوات الماضية وعبر حدود المملكة اللاجئين الذين عبروا حدودها الشرقية والشمالية من الأطفال والشيوخ والنساء والشباب، فمنهم المرضى والجرحى، ولم يتوان الجندي الأردني بأخلاقه النبيلة وصفاته الجليلة أن يمسح بيديه دموع طفل، وإنقاذ عاجز، ومساعدة شيخ طاعن في السن، ونساء أعياهن المسير والتعب والمرض والجراح.
وكان رئيس هيئة الأركان المشتركة اللواء الركن يوسف الحنيطي قد سلّم شعار مئوية الجيش العربي إلى سمو الأمير الحسين بن عبدالله الثاني ولي العهد، خلال احتفال تقليد الأوسمة بمناسبة ذكرى الثورة العربية الكبرى ويوم الجيش، حيث يرمز هذا الشعار إلى مئة عام لإطلاق اسم الجيش العربي على القوات المسلحة.
سيبقى الجيش العربي، النواة الأولى لجيش الثورة العربية الكبرى، حامي الحمى وصانع الإنجازات أينما حلّ وارتحل، والملاذ الآمن وعنوان السكينة والاستقرار، وسيظل النشامى يسرجون خيولهم بطيب أفعالهم، ويروون الأرض بطاهر نجيع دمائهم، وكرامات شهدائهم، وسيظل الأردنيون يزهون سمواً وافتخاراً بمعارك جيشهم العربي وتاريخه، حمى الله الوطن وقواته المسلحة الباسلة في ظل جلالة الملك عبدالله الثاني، القائد الأعلى للقوات المسلحة.