ما تزال أصداء اختراق فضاء العاصمة الروسية موسكو، من قِبل مسيرات «أوكرانية»... تدوّي وتثير جدلاً وسجالاً في الأوساط الروسية الشعبية, كما الإعلامية وخصوصاً السياسية والبرلمانية, على نحو بات يثير قلقاً مُتصاعداً في تلك الأوساط. إن لجهة الإختراق «الأول» الذي تمثّل بوصول مُسيّرتيْن إلى مبنى «الكرملين» في الثالث من الشهر الماضي, إضافة إلى وصول ثماني مُسيّرات أخريات إلى ضواحي المدينة قبل أسبوع (30 أيار الماضي).
صحيح أنه تمّ إسقاط مُسيّرتيّْ الكرملين كما «الثماني» التي وصلت إحدى ضواحي العاصمة، إلاّ ان مُجرّد وصولها إلى العاصمة.. الكرملين والضواحي بكل رمزيتيهما، دفع إلى طرح المزيد من الأسئلة, عمّا إذا كان هناك تقصير في تأمين العاصمة التي تبعد عن أقرب نقطة من نقاط المواجهة مع أوكرانيا أكثر من 480 كم، رغم أن شائعات/تقديرات تحدّثت عن أن المُسيّرات الأولى والثانية التي وصلت العاصمة انطلقت من الأراضي «الروسية»، ما يعني أيضاً من بين أمور أخرى, أن هناك مجموعات تخريبية تعمل داخل الأراضي الروسية, سواء كانت عناصر من أجهزة إس?خبارية أوكرانية/غربية أم مُعارضين روس. الأمر الذي يضع المسؤولية على أجهزة الإستخبارات الروسية ذات الاختصاص نفسها.
وبصرف النظر عن النفي الأوكراني لأي مسؤولية عن الحادثتين, رغم «التشفّي» والغرور اللذيْن صاحبا ذلك النفي، ناهيك عن مُسارعة واشنطن إلى إعادة اسطوانتها الكاذبة والمُنافقة حول تحذيرها كييف من استهداف الداخل الروسي, وأنها - واشنطن - تُعيد «التأكيد» على رفضها استهداف الداخل الروسي خِشية الإنجرار إلى حرب عالمية ثالثة، إلاّ أن تعليقات الصحافة والكُتّاب الروس حول هذه الأحداث, حملت هي الأخرى إتّهاماً بـ «التقصير», وإن كان مُبطّناً أقرب إلى التحذير (لا التبرير), في وقت كُشِف فيه النقاب قبل يومين عن «خطط روسية عاجلة لو?ف اختراق حدودها وعاصمتها ولتعزيز قوام جيشها», على ما نقلت وكالة نوفوستي الروسية السبت الماضي. خاصّة أن روسيا تلقّت «ضربات نفسية قاسية أثّرت مَعنويّاً - وفق مراقبين - على المواطنين الروس».
ومن ضمن الخِطط الروسية التي كُشفَ عنها أيضاً, حصول الجيش الروسي على أنظمة «باروديست» للحرب الإلكترونية، حيث دخلت الخدمة في المنطقة العسكرية الجنوبية حسب صحيفة «إزفستيا» الروسية, إذ يُعَد هذا النظام من أكثر أنظمة الحرب الإلكترونية سريّة، ولم يُكشف عن مواصفاته الفنية وقدراته. وإن كان أحد الخبراء العسكريين الروس, وصفَ النظام الجديد بأنه مُصمّم للتشويش على الرادارات الموجودة على متن الطائرات وأنظمة إتصالات الطيران وأنظمة التحكّم الآلي, وهو – يضيف الخبير– مثابة سلاح فتّاك يُعطِّل عمل الطائرات ويُفشِل مهامها.
ماذا عن مواقف وردود فعل الصحافة والمُعلقين الروس؟.
يقول أندري لكاتشوف الكاتب والصحافي الروسي يوم 30 أيار الماضي:
"أصبحت ضواحي موسكو على خط الجبهة. وينبغي أن يكون لذلك تأثير إيجابي على أصحاب العقول الروسية النائمة، الذين لا يعرفون كيف يُفكرون على الإطلاق، إذا لم تكن الحجج مصحوبة بركلات وجروح». «يجب تدمير قرطاج» يُضيف الكاتب ــ أمر غير مفهوم بالنسبة لهم (عبارة لاتينية تعني دعوة عاجلة لمحاربة العدو وتخطي الصعاب-كما يوضح د. زياد الزبيدي مُترجم النص, والمُتابع بمثابرة للمشهد الروسي). هناك فجوات في الثقافة. «كل شيء للجبهة، كل شيء من أجل النصر!", مُخْتَتِماً: «يجب تدمير قرطاج». بأي وسيلة متاحة. مثل هذا الطلب إلى السلطات يجب?أن يُقدمه مُجتمع إستيقظَ وقامَ من سُباته, مُنتصب القامة رافعاً رأسه بشموخ وفخر.
هنا يدخل أيضاً على خط السجال الدائر بين وزارة الدفاع ومجموعة فاغنر, الفيلسوف الروسي المعاصر/الكسندر دوغين كاتبا على قناته في «تيليغرام» في 30 آيار الماضي تحت عنوان «نحن بحاجة الى الوحدة» كما ترجمها د. الزبيدي: «على خلفية أول هجوم كبير للطائرات بدون طيار على موسكو وضواحيها، يبدو الخلاف بين وزارة الدفاع وفاغنر سخيفاً. يُسْمَح بِذِكْر فاغنر أحياناً، ثم يُحظر مرة أخرى، أو على الأقل هكذا يبدو الأمر». فاغنر - يُضيف دوغين - هي الوحدة البطولية بين مقاتلينا. الأفضل والتي لا تُقهر. نحن فخورون بهم ويجب على الجميع أن ?فخرَ بهم. لكن، بالطبع، هؤلاء ليسوا الأبطال الوحيدين في حربنا. على طول خط المواجهة، يُقاتل الفتيان والفتيات، الرجال والنساء، الذين لبّوا نداء الوطن المُقدس. ثم يختِم بالقول: «حان الوقت لهدم جدار سوء التفاهم. لكل شخص شرفه الخاص ودوره في النصر... أكثر من أي وقت مضى، نحن بحاجة إلى الوحدة».
أما صحيفة «موسكوفسكي كومسوموليتس»، فنقلت عن خبير عسكري روسي توقّعه ان المُسيّرات الأوكرانية/الثماني وإستناداً إلى «مداها»، جرى إطلاقها من الأراضي الروسية. وأن الحديث يدور عن «حقيقة أن المخابرات الأوكرانية وشبكة التخريب, مُستمرة في العمل في روسيا». مُستبعِداً أن تكون أُطلقت لمهاجمة الكرملين. بل مهمتها الوحيدة مهاجمة موسكو. وقد أنجزتْ هذه المهمة جزئياً.