ثلاث علامات تميزت بها ازمنة الانحطاط في تاريخنا، هي على التوالي تغليب الكم على النوع والنظر الى الخارج لا الى الداخل واخيرا سخرية الجاهل من العارف لأنه يضيّع جهده ووقته سدى ولهذا قيل ذات انحطاط عربيّ ان من تورط بالثقافة ادركته المهنة وبالتالي اصبح ضحيّتها! وحين نراجع مراحل الانحطاط نجد ان الاهتمام بالشكل في كل المجالات كان على حساب المحتوى والمضمون، ففي الادب تطرد الموضوعات والمحاور الجدية لصالح الحذلقة والتلاعب بالمفردات، وفي السياسة ينصرف الناس عن كل ما له صلة بالقضايا العامة، وتستغرقهم شجون ذاتية ويصبحون غرباء في عقر اوطانهم!
وقد سبق لابن خلدون الذي لم يقرأه غير القليل من احفاده ان أنذر الدولة بالافول وبلوغ خريفها اذا تورطت بكل ما يأخذها بعيدا عن دورها، وربما كان سبّاقا الى تعريف الدولة الفاشلة وقبل تشومسكي بعدة قرون!، وحين نقرأ ما كتبه المؤرخون عن الدولة العباسية مثلا بدءا من العصر الذهبي حتى خريف الافول نجد ان ما حدث فيها لم يكن استثناء من التاريخ، وانه قابل للتكرار لكن على نحو يزاوج بين الكوميديا والتراجيديا وبين الضحك والبكاء!
اما اخطر ما يفرزه الانحطاط فهو سيطرة الاستثناء على القاعدة والشاذ على السويّ، بحيث يصبح الوعي عبئا على من يُبتلى به، ويتمنى ما تمناه ابن مقبل وهو : ما اطيب العيش لو ان الفتى حجر! لكن العزاء الباقي والذي قد يولد من رحمه الرّجاء هو ما من انحطاط دام وما من خديعة استمرت ولو كان الامر كذلك لاستمرت روما حتى هذا الصباح تحكم هذا الكوكب !!!
الدستور