.... جاء محمد عبده إلى البتراء وغنى هناك، كم كنت أتمنى لو أني حضرت حفلته...واستمعت له.
محمد عبده برز نهاية الخمسينات والستينات في الدولة السعودية، وظل يتربع على هرم الفن والغناء فيها...للعلم هو لم يقدم فنا بقدر ما قدم الهوية السعودية، فقد غنى من قصائد السديري الكثير وغنى من قصائد الأمراء الكثير...محمد عبده لم يقدم يوما أغنية باللهجة اللبنانية أو المصرية ظل ابن نجد والحجاز والقصيم وجدة..ظل ابن البداوة والرحلة والمقناص والبحر ودروب القوافل...
في السعودية يسيرون نحو العصرنة، نحو التحول الرقمي، نحو الإنفتاح...نحو إعطاء الفن والثقافة مساحة أوسع، نحو حرية التفكير والإبداع والإبتكار، لكنهم لم ينقلبوا على هوية الدولة..ظلت الهوية راسخة وتم تثبيتها أكثر.
صحيح أن المجتمع السعودي قد تغير كثيرا، ومساحات الجيل الجديد صارت أوسع...لكن العقال لم يتغير، والشباب السعودي ما زال مصرا على ارتداء (الدشداشة البيضاء)...ما زال مصرا عبر الفيديوهات التي تنشر على تقديم (الكبسة السعودية)...ما زال أيضا يجادل بعضه بالشعر النبطي، ما زال يجيد (العرضة) السعودية...وما زال البر هواه والمرتجى وفيه يريح الذهن من تعب الوظيفة والعمر.
أنا فرحت لقدوم محمد عبده إلى البتراء، على الأقل هذا الفنان مازال يشكل الإلتزام والقيم فيما يقدم، ما زال يعبر عن حياة وحاضر الدولة....وإذا قدمت لفتى سعودي أغنية: (والسيل يا سدرة الغرمول يسقيك...) لمحمد عبده حتما سيكملها، وسيشرح لك معنى الكلمات..وهذا الفتى قد يكون ممن تلقوا أفضل التعليم، وقد يكون من الذين يجيدون اللغة الإنجليزية بطلاقة..,لكن تأسيسه ونشأته قامت على الهوية، والدين وعلى الإعتداد بالدولة وقادتها.
أتابع بعض المدونين من السعودية، أتابع صراعاتهم وتدويناتهم وأحاديثهم....وما فعله تركي ال الشيخ الذي تسلم ملف الثقافة والفن، هو ليس انفتاحا وليس إعطاء مساحات أكبر للترفيه والفن والثقافة فقط..ما قام به هو تصدير الهوية السعودية، لقد أعاد انتاج مسلسل (طاش ماطاش) الذي مارس النقد الإجتماعي والسياسي بأعلى درجاته...أعاد جمع عبدالله السدحان وناصر القصبي...أعاد إنتاج السخرية السياسية والإجتماعية اللاذعة، في النهاية جعل نصف العالم العربي في رمضان يجلس منتظرا ما سيقدمه القصبي والسدحان... جعل أجيالا من العرب تجيد وتفهم?اللهجة السعودية بتفاصيلها.
غير معني بالسياسة وتبعاتها، ولكني معني بمشروع الإنفتاح السعودي..وأتابع باهتمام جيوش المغردين في جدة والرياض، أتابع توحد أصواتهم حين يريدون الدفاع عن دولتهم..وكيف أنهم صدروا الهوية عبر طروحاتهم...أتابع أيضا الحفلات التي تقام ليس لأجل الغناء والفرح وإنما لأجل تصدير اسم المدن السعودية على خارطة العالم السياحية.
لم أكن أريد الإستماع لمحمد عبده في البتراء، كنت أود فقط أن ألمح الهوية السعودية في الوتر والصوت والحضور..وأفضل من قدمها هو (ابو نورا)...