كلما نشرت الملكية الأردنية نتائجها المالية الربعية أو السنوية، تقوم الدنيا ولا تقعد على صفحات الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي المختلفة حول خسائرها المتراكمة، وتتوجه الانتقادات من كل صوب إلى إدارتها والقائمين عليها وكأنهم هم من تسبب في هذه الخسائر أو المسؤولين عنها.
في الحقيقة، لن تقدِرَ شركة الملكية الأردنية أبدا على معالجة خسائرها بالشكل الاقتصادي الحقيقي طالما بقيت أساليب العلاج التقليدية، ولم تفكر في حلول خارج الصندوق.
المَلَكية التي تجاوزت خسائرها اليوم 420 مليون دينار، من رأسمالها، وتجاوزت أيضا حجم مطلوباتها، مما يستوجب محاسبيا تصفيتها. لكن هل هذا هو الحل؟
لنعد قليلا للوراء، وتحديدا لخصخصة الملكية التي بدأ تنفيذها اعتبارا من سنة 2005، عندما بدأت الحكومة في ذلك الوقت بتجزئة الشركات المساندة للناقل الجوي، وطرحتها للبيع في إطار برنامج الخصخصة. حينها، تبرعت الحكومة بكامل أسهمها في جميع تلك الشركات، من صيانة الطائرات والمحركات والمطار والأسواق الحرة واللوجستية، واحتفظت فقط بالناقل الجوي الوطني الذي عرضته للبيع في عام 2008. اشترى رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي 20 % من أسهمها بمبلغ 3.6 دينار للسهم، لكن للأسف، فشل مشروع خصخصة الناقل الجوي، ولم يحقق الأهداف المالية والتشغيلية التي كانت من وراء خصخصته، مثل باقي الشركات المساندة التي حققت وما زالت تحقق أرباحا كبيرة.
خسائر الناقل الجوي أدت إلى إعادة الحكومة لحصصها والسيطرة على الشركة من خلال زيادات رأس المال التي قدمتها الحكومة للملكية بقيمة 200 مليون دينار على مدى الأربع سنوات الماضية، وهو ما جعل حصة الحكومة ترتفع لأكثر من 80 % من أسهمها.
هنا، لا بد لنا أن نشير إلى أن الملكية في الربع الأول، رغم ارتفاع إيراداتها بأكثر من 60 %، لا تزال تحقق خسائر. وهذا يقودنا إلى السبب الرئيسي الذي سيستمر في تشكيل كابوس على الملكية ونشاطها ونتائجها المالية.
الناقل الجوي لن يحقق أرباحا مالية، حتى لو زادت معدلات التشغيل طالما بقي يدفع غالبية إيراداته للشركات المساندة التي خصخصتها الحكومة. فالملكية تدفع ملايين الدنانير كرسوم وأرضيات للمطار وشركات الصيانة والمحركات وغيرها.
الحل الاقتصادي والسليم للملكية الأردنية هو أن تقوم الحكومة بخصخصة معاكسة للشركات المساندة للناقل الجوي، وتشتري حصصا فيها. حينها ستوفر للملكية عوائد مالية جديدة ستكون رافعة جديدة لها تمكنها من تطوير أنشطتها وخدماتها، حينها ستكون لها فرصة أكبر للتنافس وتحقيق أرباح عالية.
نعم، أقولها بكل صراحة: نموذج خصخصة الملكية وشركاتها المساندة هو أسوأ أنواع الخصخصة بكل ما في الكلمة من معنى. فالانتزاع المسبق لموارد الملكية المالية وجعلها وحيدة في التشغيل وتحقيق الإيراد، أمر أدخل الشركة في نفق الخسائر المظلم، ولم يكن هناك حل نهائي إلا من خلال الخصخصة المعاكسة، أو من خلال اعتبار الملكية جزءا من مؤسسات القطاع العام يتوجب على الخزينة التعامل معه كما تتعامل مع باقي تلك المؤسسات التي تقع على كاهل المالية العامة للدولة.