مع بدء فرز صناديق الإقتراع, ينتهي أطول وأشرس ماراثون إنتخابي في تاريخ تركيا الحديثة, سواء اختار الناخبون الانراك/كمال اوغلو رئيسا جديدا لجمهوريتهم, التي تحتفل في 23 تشرين الأول المقبل بمرور «مئة عام» على قيامها بقيادة مصطفى كمال المكنّى أتاتورك/ أبو الاتراك, أم قرّر الناخبون «التجديد» للرئيس اردوغان, الذي وبدون إحتساب الولاية الجديدة (إن فاز), كان سجّل لنفسه انه صاحب أطول فترة رئاسية منذ العام 1923(أتاتورك نفسه لم يحكم سوى 15 عاما, من 1923 ــ 1938).
ومع انتهاء الماراثون الإنتخابي الرئاسي/والبرلماني الذي شهِد حالاً غير مسبوقة من الإستقطاب وحملات التشويه وبث الشائعات, وخصوصاً الإستخدام المفرط لوسائل الإعلام التي سيطر إحتكرها الحزب الحاكم/العدالة والتنمية, بعد نجاح أردوغان في تصفية معظم صحف ووسائل إعلام المعارضة على اختلاف توجهاتها الحزبية, مستخدماً التهمة الجاهزة وهي التبعية للتنظيم الموصوف في قاموس الأردوغانيين بالإرهاب, ونقصد جماعة فتح الله غولن/الخدمة ("حِزمِتْ» بالتركية), فضلاً عن تلك المُقرّبة أو المحسوبة على الإثنية الكردية التركية, الموسومة هي ال?خرى بالإرهاب, لصلتها سواء المزعومة أم المُؤكدة بحزب العمال الكردستاني/التركي «PKK».
ما علينا
يوم تركي آخر ببعديه الإقليمي والدولي, خاصّة إذا ما فاز أردوغان, وهو ما تُرجّحه آخر إستطلاعات الرأي, ما يدفع للتساؤل ما الذي سيفعله أردوغان بعدما تحقّقت «أمنيته الكبرى» التى جَهِدَ لتحقيقها, وهي ان يقود بنفسه الإحتفالات بـ«مئوية» تركيا الحديثة، وإن غير تركيا أرادها مؤسس الجمهورية الجديدة, عندما دفنَ الخلافة العثمانية مُقرّراً - اتاتورك - نجهه «الغربي» وتبنّيه «العلمانية» داخل مؤسسات الدولة الجديدة وخصوصاً في المجتمع التركي, الذي كان في أغلبيته محافظاً (ويبدو انه ما يزال كذلك، ما بالك بعد «نجاح» أردوغان في ت?جيه ضربات متدحرجة ولكن محسوبة بدقّة, للبنى والمؤسسات العلمانية منذ وصوله شخصيّاً الى الحكم. سواء في ما خصّ شرعنة «الحجاب» داخل الجامعات والمؤسسات الحكومية, أم خصوصاً في «تقليم» أظافر المؤسسة العسكرية, وتصفية المعسكر «الكمالي» الذي اخترقه الأميركيون منذ خمسينيات القرن الماضي, وبخاصّة في عهد عدنان مندريس (الإسلاموي الذي يُبدي أردوغان واتباعه إحتراماً كبيراً له, وهو الذي اعترف باسرائيل عام 1949, كزعيم لأول دولة اسلامية تعترف بإحتلال فلسطين). كما سنحت لأردوغان فرصة ثمينة تمثّلت في محاولة إنقلاب فاشلة تمّت في 1? تموز 2016, ما سرّع عملية تطهير وإخضاع المؤسسة العسكرية, التي هيمنت على المشهد السياسي والحزبي التركي, منذ منتصف القرن الماضي بذريعة الحفاظ على «إرث أتاتورك", بما هي علمانية التوجّه وغربية التحالفات والحافظة «لتعاليمها» داخل المجتمع التركي. ناهيك عن إحكام أردوغان/وحزبه قبضتهما على المؤسسة القضائية (حليفة المؤسسة العسكرية/الأتاتوركية الولاء سابقاً).
غداً يوم آخر في تركيا الأردوغانية. سيكون - وِفق التوقعات - أردوغان النجم «الساطع» فيها, والتي تتوجه عواصم المنطقة كما الدول الغربية وروسيا والصين, دع عنك رهط المُعجبين في بلاد العرب والمسلمين بالخليفة الجديد, الذي لم يتوقفوا عن تعظيمه والإشادة به, قبل وبعد نتائج الجولة الأولى, التي أكّدت ان «نصف الأتراك» لم يعودوا يثقون به وبحكمة قراراته خاصّة الإقتصادية, التي أوصلت الى حال متدنية من الأمان الإجتماعي والإقتصادي وفقدان الوظائف وإرتفاع التضخم وزيادة منسوب البطالة وارتفاع الأسعار والتدهور المريع لليرة التركية?
لا مبالغة في توقّع ان أردوغان في نسخته الجديدة (بمعنى انه خاض لأول مرّة منذ ظهوره على المسرح السياسي, جولة ثانية بعدما كان فوزه مضموناً طوال عقدين مسبقاً). سيكون أكثر «جرأة/مغامرة» في اتخاذ قرارات حاسمة وجدلية خاصّة على الصعيد الخارجي. سواء في علاقاته مع روسيا التي ستزداد متانة وإن شابتها بعض التوترات «العابرة»، أم خصوصاً في اتجاه واشنطن وأوروبا. إن لجهة عضوية انقرة في الإتحاد الأوروبي (غير المضمونة), وربما يقوم بسحب طلب الإنضمام لعضويتها, أم في شأن مستقبل عضوية تركيا في حلف الناتو, وإصراره على عدم الموافق? لإنضمام السويد اليها, وإبداء شراسة في التصدّي لإقتراح بدات عواصم/ناتوية تطرحه, لجعل إتخاذ القرار داخل الناتو بالأغلبية وليس بالإجماع.
عربيّاً وإقليميّاً سيمضي أردوغان في سياسة «الإنفتاح» مع الجوار العربي وخصوصاً مع سوريا, والبحث عن ميادين وساحات وتحالفات دولية جديدة، كرسائل وأوراق يمكن توظيفها لإبتزاز أو تحسين علاقاته مع الغرب.. تقرّباً أو قطيعة لا فرق. مثل الإنضمام لعضوية «تكتل بريكس» الإقتصادي, أو منظمة شنغهاي للتعاون. ولعِب دور أكثر «صرامة» في ما يُسمى «العالَم التركي». (أي باتجاه دول آسيا الوسطى التي معظم شعوبها – كما تقول الرواية التركية ــ من أُصول تُركية).
هل قلتم «فشل» المعارضة التركية؟.
ما كان لخطابها المرتبك وتصدّع صفوفها ووقوعها بسذاجة, في شرَك الأفخاخ التي نصبها لها اردوغان ورهط حلفائه, ان تُصيب نجاحا خاصة عداءها مفرط العنصرية للاجئين, فضلا عن إتهامها روسيا بالتدخل في الإنتخابات.