مدار الساعة - عممت وزارة الأوقاف والمقدسات والشؤون الاسلامية خطبة الجمعة على مديريات الأوقاف في جميع محافظات المملكة.
وجاءت الخطبة بعنوان: “ومن يتوكل على الله فهو حسبه”.
وتاليا نص الخطبة
إنَّ التوكل على الله تعالى من أجّلِ القربات التي لا يستغني عنها المسلمُ أبداً، وهو عبادةٌ عظيمةُ الأثر، يُكفّر بها السيئات ويُعِظم اللهُ بها الأجر والمثوبة، وهو ركنٌ ركين في عقيدة المؤمنين، وهو منهج الصادقينَ وسبيل المخلصين، وهو من أبرز صفات المؤمنين، قال الله تعالى: ﴿ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ﴾ الطلاق:3، أي منْ فوضَّ إلى اللهِ أمره كفاه ربه سبحانه ما أهمه .
هذا ، وقد أمر اللهُ تبارك وتعالى عبادَه بالتوكل عليه، وأمر أنبياءه عليهم الصلاة والسلام ــ مع مكانتهم وعلو منزلتهم عنده ــ بالتوكل عليه، قال الله تعالى: ﴿ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾ المائدة:23، فالتوكل طريق المؤمنين لزيادة إيمانهم بالله وحسن توكلهم عليه سبحانه، قال الله تعالى: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾ الانفال:2، فالتوكل دليل على صدق الايمان، وهو طريق ٌ للفوز بمحبة الله، قال الله تعالى في حق رسولنا صلى الله عليه وسلم : ﴿ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ﴾ آل عمران:159، فقوله : (إن الله يُحِبُّ المُتَوَكِّلِينَ)؛ لأَنَّ التوكلَ علامةٌ على صدق الايمان، وفيه إظهار عظمة الله وقدرته، واعتقاد الحاجة اليه، وعدم الاستغناء عنه، وهَذا أدَبٌ عَظِيمٌ مع الخالق يدل على محبته العَبْدِ رَبَّهُ فَلذلك أحَبَّهُ الله تعالى.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: “حسبنا الله ونعم الوكيل قالها إبراهيم عليه السلام حين ألقي في النار، وقالها محمد ﷺ حين قالوا له: ﴿ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ﴾آل عمران: 173 رواه البخاري، وكان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يدعو الله تعالى فيقول: (اللهم لك أسلمتُ، وبك آمنتُ، وعليك توكلت(، وكان يأمر أصحابه بالتوكُّل، فيقول لهم: (مَن قال – يعني إذا خرج من بيته -: بسم الله، توكلت على الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، يقال له: هُديت وكُفيت ووقُيت) أخرجه الترمذي.
واعلموا عباد الله أن التوكل على الخالق سبحانه أثرٌ لمعرفة الله تعالى، فمن عرف الله لا يسعه إلا أن يتوكل عليه، والعارف بالله هو الواثق بوعد الله ووعيده ، ولا يجد ملجأ إلا إليه ، فتجده مخبتاً منيباً ، فيكون ممن عرف الطريق وسلك مسالك العارفين؛ وبذلك أصبح من عباد الله تعالى المخلصين الذين لا سلطان للشيطان عليهم في الحياة الدنيا، قال الله تعالى: ﴿ إنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴾ النحل:99.
ولا يظننَّ أحد أن التوكل هو التقاعس عن العمل أو الجلوس في البيوت، وإنما التوكل هو الأخذ بالأسباب ما استطعنا الى ذلك سبيلا، قال رجُلٌ لِلنَّبيِّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم-: أُرسِلُ ناقتي وأتوكَّلُ؟، قال: اعقِلْها وتوكَّلْ” أخرجه الترمذي ، أيْ: شُدَّ رُكْبةَ ناقتِك مع ذِراعَيْها بحَبْلٍ. وروي في الأثر عن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه رأى إبلاً قد فشا فيها الجرب، فسأل صاحبها عن إهماله لعلاجها، فقال : عندنا عجوز تدعو لها بالشفاء فقال له : هلاّ جعلت مع الدعاء شيئاً من القطران؟ ، وروي عنه أنه لقي ناسًا من أهل اليمن، فقال: من أنتم؟ قالوا: نحن المتوكلون. فقال: “بل أنتم المتَّكلون، إنما المتوكل الذي يلقي حبة في الأرض، ويتوكل على الله”.
قال ابن رجب رحمه الله: “اعلم أن تحقيق التوكل لا ينافي السعي في الأسباب التي قدر الله سبحانه المقدورات بها، وجرت سنته في خلقه بذلك، فإن الله تعالى أمر بتعاطي الأسباب مع أمره بالتوكل، فالسعي في الأسباب بالجوارح طاعة له، والتوكل بالقلب عليه إيمان به، كما قال الله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ﴾ النساء: 71، وقال تعالى: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ﴾ الأنفال: 60 ، وقال: ﴿فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ ﴾ الجمعة: 10. وقال سهل التستري رحمه الله تعالى: “من طعن في الحركة – يعني في السعي والكسب – فقد طعن في السنة، ومن طعن في التوكل، فقد طعن في الإيمان، فالتوكل حال النبي – صلى الله عليه وسلم -، والكسب سنته، فمن عمل على حاله، فلا يتركن سنته”.
توَكَّلْ عَلَى الرَّحْمَنِ فِي كُل حَاجَةٍ وَلا تُؤْثِرَنَّ الْعَجْزَ يَوْمًا عَلَى الطَّلَبْ
أَلَـــ ـم تــــَرَ أَنَّ اللَّهَ قـــ ـــَالَ لِمَـــ ــرْيَمٍ إِلَيْكِ فَهُزِّي الْجِذْعَ يسَّاقَطِ الرُّطَـــ بْ
وَلَوْ شَاءَ أَنْ تَجْنِيهِ مِنْ غَيْرِ هَزِّهَا جَنَتْهُ وَلَكِنْ كُلُّ شَيءٍ لَهُ سَبَـــ ـــب
كما أن التوكل سببٌ من أسباب النصر والمنعة، قال الله تعالى : ﴿ إِن يَنصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ ۖ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ ۗ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ﴾ آل عمران:160، ” إن ينصركم الله “، أيها المؤمنون بالله ورسوله، على من ناوأكم وعاداكم من أعدائه والكافرين به “فلا غالب لكم ” من الناس، يقول: فلن يغلبكم مع نصره إياكم أحد، ولو اجتمع عليكم مَن بين أقطارها من خلقه، فلا تهابوا أعداء الله لقلة عددكم وكثرة عددهم، ما كنتم على أمره واستقمتم على طاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم ، فإن الغلبة لكم والظفر، دونهم ” وإن يخذُلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده “، يعني: إن يخذلكم ربكم بخلافكم أمره وترككم طاعته وطاعة رسوله، فيكلكم إلى أنفسكم ” فمن ذا الذي ينصركم من بعده “، ثم أمرهم بالتوكل عليه سبحانه “وعلى الله فليتوكل المؤمنون ” فهو النصير والمعين لعباده.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من لا نبيّ بعده، سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ آل عمران:102.
ولا تنسوا قول النبي صلى الله عليه وسلم: من قال: “سبحان الله وبحمده في اليوم مائة مرة، حُطَّتْ خطاياه وإن كانت مثل زَبَد البحر”، ومن قال: ” لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في يوم مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب وكُتِبَتْ له مائة حسنة ومحيت عنه مائة سيئة وكانت له حرزاً من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي”، ومن قال: ﴿لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنْ الظَّالِمِينَ﴾ ، ” أيما مسلم دعا بها في مرضه أربعين مرة فمات في مرضه ذلك أعطي أجر شهيد، وإن برأ برأ وقد غفر له جميع ذنوبه”.
سائلين الله تعالى أن يحفظ ولي أمرنا جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين وولي عهده الأمين الحسين بن عبد الله، وأن يوفقهما لما فيه خير البلاد والعباد، إنه قريب مجيب.
والحمد لله ربّ العالمين