ثمة جدل لم يتوقف في دولة العدو الصهيوني وخارجها, منذ صدور كتاب «إختراع الشعب اليهودي» للمؤرخ والأكاديمي/شلومو ساند باللغة العبرية عام 2008 وتُرجِم لاحقا الى الإنجليزية والفرنسية عام 2009. لكنه/ الجدل تجدّد بمناسبة الذكرى الـ"75» للنكبة الفلسطينية على صفحات جريدة هآرتس الصهيونية.
وإذ أثار كتاب أحد أبرز المؤرخين الجدد أو تيار ما بعد الصهيونية الذي قاده مؤرخون داخل إسرائيل مثل إيلان بابيه وبيني موريس (قبل تراجعه وتبنّيه مواقف صهيونية عنصرية غاية في التطرف, «وانتقاده» بن غوريون بشدة لأنّه «لم يقُم بتطهير أرض إسرائيل من كل العرب في العام 1948).
نقول: أثار الكتاب الذي أصدره البروفسور شلومو ساند (يُكتب الاسم على خلاف الطبعة العبرية:زند", فيما يظهر على غلاف الترجمتين الإنجليزية والفرنسية «ساند"), أثار ضجة في الأوساط الصهيونية داخل دولة العدو كما خارجها, وبخاصة لدى التيارات الصهيونية المتعددة في الدول الغربية، لكن مقالَة للمؤرخ شلومو ساند في صحيفة هآرتس/ 4 آيار الجاري, تحت عنوان: «خياران لا ثالث لهما: نكبةٌ ثانِية أو دولة ثنائية القومية", تحدث فيها عن قرار التقسيم رقم 181 الصادر في 29/11/1947، الذي منح منطقة أكبر لليهود (62%) كان الجزء الأكبر منها- كما يقول ــ صحراء، لافتاً أنّه في ذلك العام/1947, كان في فلسطين الإنتدابية مليون وربع المليون عربي (وفق تعريفه) و600 ألف يهودي «أي –يضيف ساند- 76% ومن السكان المَحليّين و33% من المستوطنين, الذين في معظمهم كانوا مُهاجرين جدداً.. وتابع قائلاً: «أخذ قرار التقسيم في الحسبان بأنّ المُهجّرين اليهود الآخرين سيأتون في السنوات التالية من المعسكرات في ألمانيا, وإذ لم ترغب معظم الدول التي أيّدت التقسيم بهم على أراضيها، فقد كان من المريح لها أن تؤيد إقامة دولة يهودية على بوابة العالم العربي"
ثم يستعرِض/ساند باستفاضة قراءة معمقة للمشهد الذي تلا النكبة, إلى أن يقول: يحلم الكثير من الإسرائيليين «في السّر» بنكبة «ثانية»، وهُم –يضيف–يُدركون أن الوضع الحالي لا يمكن أن يستمر فترة طويلة، حيث اليمين الواهِم الشريك في الحكم الحالي، يدفع قُدماً بزخم ليس فقط المستوطنات، بل أيضاً بانفجار كبير يؤدي إلى طرد السكان العرب إلى ما وراء نهر الأردن».. وفي تشخيص ما يحدث الآن في الكيان العنصري يقول: في موازاة هذا الوضع غير المُحتمل الذي ينطوي على الدمار.. فإنّه –يُواصل- على هامش المعارضة الكبيرة للانقلاب القضائي الذي يدفعه قدماً اليمين، بدأت تَظهر مرة أخرى, أفكار حول الكانتونات والفيدرالية أو الكونفدرالية، أدّى الوعي المتزايد –يستطرد- لعدم إمكانية تقسيم البلاد, إلى طرح أفكار لتقسيم «السيادة» فيها. إذ طرحَ قادة ومفكرون إقتراحات مُفصّلة أكثر بقدر مُعين، عن أشكال الحُكم المشترَك، إلى جانب الاعتراف بـ"هويتين» مُنفصلتين لمجموعتين تُدمجان معاً في جزء من الأجهزة، من أجل اختيار «المُمثّلية السياسية» لها, وتحوّل أسس الدولة إلى ثنائية القومية.
وإذ يصعب تلخيص مقالة مزدحمة بالتفاصيل والتواريخ في عجالة كهذه، إلّا أنّها أثارت حفيظة مؤرخ يميني متطرف اسمه ألكسندر يعقوبسون, الذي سارع إلى الرد على مقالة د. ساند ولكن يوم 16 الجاري (أي بعد 12 يوماً) في هآرتس, تحت عنوان: هل سيُعيد اليمين الإسرائيلي ما قاله الفلسطينيون عن «خطة التقسيم"؟.. ثم راح/يعقوبسون يقتبس مطولاً من مقالة ساند, راداً عليه بعبارات انتقائية مثل: «مُعارضة القيادة العربية الفلسطينية لخطة التقسيم عام/1947، ثم تبريرها بتوسّع في النقاشات–يواصل يعقوبسون- التي جرت قبيل التصويت والمصادفة على الخطة، ولفهم عمق موقف الفلسطينيين –يُضيف- في هذا المُفترق تجدُر قراءة أقوالهم، وليس الذرائع التي يُقدمها «المتعاطفون الإسرائيلييون» للفلسطينيين بأثر رجعي.
لم يتوقف يعقوبسون هنا بل مضي إلى قلب الحقائق واختراع المبررات على النحو التالي: خلافاً لما يُفهم من أقوال زند (وفق النص العبري) فإنّ الفلسطينيين لم يدّعوا أنّهم يرفضون التقسيم بسبب شروطه –بل رفضواكل إمكانية للتقسيم وفي أي حدود, يُضاف إلى ذلك –يُواصِل- أنّهم رفضوا بشدة وهدّدوا بالحرب ضد «حل الدولة الفيدرالية ثنائية القومية العربية اليهودية» إلى أن يخلص لنتيجة تعكس مواقف اليمين الفاشي العنصري الاستيطاني الذي يروم إقامة إسرائيل الكبرى على أرض فلسطين التاريخية. على النحو التالي: (“دولة ثنائية القومية»، التي اقترحها/زند، ستكون دولة مع أغلبية عربية في قلب العالم العربي والإسلامي. هذه الأغلبية ستكون بالضرورة نتيجة تطبيق «حق العودة»، الذي لا تُوجد أي طريقة لمنعه في دولة «ثنائية القومية». الاعتقاد بأن هذه الدولة قد تكون دولة ثنائية القومية لفترة طويلة،وليس دولة عربية وإسلامية، هو انتصار للأيديولوجيا على العقل السليم).
رد البروفسور ساند لم يتأخر إذ كتب في هآرتس/23 الجاري, رداً مطولاً تحت عنوان «ملاحظتان حول التقسيم ومسألة ثنائية القومية", واصفاً ردّ يعقوبسون بأنّه «جاء في سِياق مُجرم جداً وحقير وحتى لا ساميّ عندما –يضيف ساند- ذكّر القرّاء بـ"تقرير شلومو زند... اختراع الشعب اليهودي».أي أن ساند يتّهم يعقوبسون بالتحريض عليه, عندما حرص الأخير على الغمز من قناته والإيحاء بأنّ «ساند».. عدوّ الشعب اليهودي.
وهو ردّ قويّ وكاشف.. سنُضيء عليه لاحقاً.