كل يوم أقرأ كتابات عن جهاز الأمن العام, أنا شخصيا كتبت الكثير عن هذه المؤسسة وياما تواصلت مع الضباط هناك.
في حياتي التي عبرت, لم أكتب حرفا بدافع الشفقة أو الحزن على حالهم, نحن الذين نحتاج أن نحزن على حالنا.. ولكني كتبت بدافع الفخر بهم, وبدافع اخر يتمثل في أنهم القدوة للمجتمع وهم ضمير الدولة والمعبر الحقيقي عن وجدان الناس.
جهاز الأمن العام الأردني هو أكثر الأجهزة العربية انضباطية, هو الجهاز الوحيد الذي لم يشهد في تاريخه تمردا لفرد أو ضابط, هو الجهاز الوحيد الذي نفذ الأوامر دون نقاش أو تردد وهو الجهاز الوحيد في العالم العربي, الذي جمع بين التكوين العسكري والروح المدنية.. وهو الجهاز الوحيد في العالم العربي الذي استطاع أن يمتص ما يسمى (أزمة الربيع العربي) دون أن يصاب أحد من أفراده ودون أن يفقد ضابطا أو جنديا, هو الجهاز الوحيد الذي حين يستشهد أحد منتسبيه, لا تشاهد عتبا أو أسئلة.. بل يمضي ويقدم المزيد من الشهداء.
هؤلاء ليسوا بحاجة لكتابات الشفقة, ليسوا بحاجة لأن نكتب عن راتب العسكري.. ليسوا بحاجة أن نقول انهم يمضون في الوظيفة ساعات, ليسوا بحاجة لكتابات تذكرهم بأنهم تركوا الأولاد والأهل لأجل الوظيفة الرسمية... حين التحقوا في الجهاز كانوا يعرفون ذلك لا بل قاتلوا لأن يكونوا من ضمن مرتبات الأمن العام, وكانوا في مجتمعاتهم قدوة ونموذجا.. وظلوا يحملون أخلاق العشيرة, وشيم القبيلة.
كثيرا ما أقرأ كتابات الشفقة, والنتيجة أني أشفق على أصحابها.. على الأقلام التي تكتب التي استهلكت نفسها بالحديث عن راتب العسكري, ومقارنته براتب الوزير.. أو المسؤول, تلك لم تعد لغة صحافة بل صارت لغة مكررة مقيتة, وأظن أن الجهاز يحتاج لتشريع يمنع الحديث في شؤونه وشؤون أفراده المعيشية والتقاعدية, لأن هذه الشؤون هي من خصوصيات الجهاز.. وهو من يقرر الحديث فيها من عدمه.
قبل فترة قرأت مقالا بدافع الشفقة, كم حزنت على صاحبه.. وشفقت عليه في ذات اللحظة... على الأقل يبقى مصدر ثراء هذه الأجهزة, مرتبطا بالكرامة والدم.. من يمتلك أعلى درجات الكرامة ومن يدفع الدم, هو أعلى شوامخ المجتمع, وهو قمة الجبل...
أطالب بتشريع يحصن هذه المؤسسة من الغوص في شؤون أفرادها.. مع أن سمرة وجوههم أهم وأكبر وأقوى من كل التشريعات.