بعد أن انفض «مولد» ترخيص الأحزاب، كيف تبدو الجغرافيا الحزبية في بلدنا ؟
هذا السؤال استدعته مسألتان، الأولى : أن قانون الأحزاب الجديد (المادة 11/أ) اشترط أن لا يقل عدد الأعضاء المؤسسين للحزب عن 1000 شخص، يمثلون 6 محافظات على الاقل، بواقع 30 شخصا من كل محافظة، المسألة الثانية : لا يوجد لدينا، حتى الآن، أي معلومات رسمية عن الانتشار الجغرافي للأحزاب في المحافظات الـ 12، صحيح أن الأطر الحزبية يفترض أن تكون عابرة للجهوية والمناطقية والديموغرافيا، لكن تظل « الجغرافيا» في مرحلة التجربة الحزبية الوليدة مؤشرا ضروريا لفهم الحالة، ومعالجة أخطائها، كما أنها تكشف مدى استجابة الأردنيين لقبول الحزبية، والتعامل معها كرافعة للتنمية السياسية، خاصة في «الجغرافيا» التي تعاني من التهميش.
لفهم الصورة، لا يوجد لديّ إلا مؤشر واحد، وهو ما أفرزته اغلبية الأحزاب الـ26، على صعيد القيادات بمختلف مستوياتها، حيث تمركزت بالمدن الكبرى (عمان، الزرقاء، اربد )، فيما لم تحظ المحافظات الثلاث (معان، الطفيلة، العقبة) جنوب المملكة، على سبيل المثال، بأي نصيب من هذه المقاعد.
أقصد، هنا، أن مؤسسي الأحزاب، خاصة الوليدة، والمواقع والمناصب الحزبية توزعت جغرافيا بشكل غير عادل، حيث استأثرت بها بعض المحافظات، فيما حرمت منها أخرى، ما يعني أمرين : أن الأردنيين في الأطراف عزفوا عن المشاركة والالتحاق بمركب الحزبية، فلم تخرج منهم أية مبادرة لتأسيس حزب، أو التنافس على المراكز القيادية بالأحزاب الأخرى، الثاني : أنه تم استثناؤهم لاعتبارات تتعلق بتقسيم المناصب، وفق مساطر لم تراعِ ذلك، أو أنها لم تضعه بعين الأهمية والاعتبار.
كنت سأتجاوز مسألة الجغرافيا، باعتبارها آخر ما يخطر ببالي عند تقييم التجربة الحزبية التي أراهن على نجاحها لكي نتجاوز حالة «اللا يقين السياسي» التي نعاني منها منذ سنوات، لكن ما دفعني لذلك أمران، الأول: ما أشرت إليه بمقالتي، أمس، حول غياب الصناديق الانتخابية لدى اغلبية الأحزاب حين انتخبت قياداتها، الأمر الذي ربما جرح شرعيتها، وبعث برسالة خاطئة للجمهور بلا جدوى الانتخاب أصلا، الثانية: عدم قدرة الأحزاب على الوصول والتأثير خارج مناطق نفوذها في المدن والتجمعات الكبرى، ثم فشلها في جذب الشباب، وإعطائهم الفرصة اللازمة لاختبار كفاءتهم بالمواقع التنفيذية.
إذا أضفت لذلك قضية «التهميش» التي تعاني منها أصلا بعض المحافظات البعيدة عن المركز، سياسيا واقتصاديا، ثم محاولات الدولة التحديثية بالاعتماد على الحزب كفاعل سياسي، بديلا عن العشيرة، ثم ما ترسخ من تقاليد واعتبارات، تبدو أحيانا وجيهة، ومنها عدالة توزيع الثروة والسلطة معا، على أسس متعددة، منها الجغرافيا، فإن ما حدث بالتجربة الحزبية يعكس خللا واضحا لا بد من وضعه بعين الاعتبار، كما أنه قد يشكل سببا لانشقاقات داخل هذه الأحزاب بالمستقبل، ويؤطرها في لون واحد، يتناقض مع مشروعية الهدف الأساس لعملية التحديث السياسي، ويدفع للعزوف عنها، وعن صناديق الانتخابات التي ستفرز مرشحيها.
بقي لدي رجاء : اتركوا الأحزاب تتحرك في المساحة التي تحتاجها وتريدها، كما وعدتم عبر الشعارات التي ملأت شوارعنا، امنحوا الأردنيين الذين آمنوا بالعمل الحزبي فرصتهم لإنجاح هذه التجربة، تذكروا أن خيار الحزبية مشروع دولة، وليس مشروعا خاصا لأي أحد، كما أنه استحقاق مرحلة قادمة مزدحمة بالتحديات والأخطار، وليس مختبرا للتجريب، ثقوا بقدرة الأردنيين على الإنجاز والعطاء، ودعوهم يخدموا بلدهم دون وصايات، أرجوكم افعلوا ذلك.