أخبار الأردن اقتصاديات مغاربيات خليجيات دوليات برلمانيات جامعات وفيات أحزاب وظائف للأردنيين رياضة مقالات مقالات مختارة أسرار ومجالس تبليغات قضائية جاهات واعراس الموقف شهادة مناسبات مجتمع دين اخبار خفيفة ثقافة سياحة الأسرة طقس اليوم
مدار الساعة ـ
أردوغان حتى لو لم يفّز
سوف تنجلي نتيجة الانتخابات التركية في الثامن والعشرين من هذا الشهر، وسوف يتضح بقاء الرئيس أردوغان في سدة الحكم لمدة خمس سنوات أخرى وأخيرة، أو تحوّله إلى زعيم للمعارضة في البرلمان التركي الذي فاز حزبه (حزب العدالة والتنمية) بأغلبية مقاعده.
إن السؤال الذي يطرح نفسه هنا: لماذا حكم أردوغان منذ عشرين سنة تقريباً (منذ 2002)، ولماذا كادّ أن يفوز هذه المرة أيضاً (حصل على 49.5 % من أصوات الناخبين) بل ومن المتوقع أن يفوز في انتخابات الإعادة المقررة مع نهاية الشهر الجاري؟
إنّ هناك إنجازات كبيرة حقّقها لصالح الشعب التركي وهي التي زكّته لمثل هذه النجاحات المتوالية في صناديق الاقتراع، ولعلّ أهمها:
أولاً: تكريسه لمبدأ الديموقراطية، ولعلّ نقطة قوته الكُبرى أنه زعيم مُنتخب، صحيح أنه كان يفوز في معظم المرات بما يزيد قليلاً عن (50%) ولكن هذا لا يقلّل من حقيقة أنه زعيم أتى إلى الموقع بأسلوب ديموقراطي، ولعلّ المتأمل في التاريخ التركي الذي تميز بعدم استمرارية النهج الديمقراطي يدرك أهمية هذا البعد الذي كرّسه أردوغان، ومن المنتظر أن يتمأسس نهائياً.
ثانياً: نجاحه المُميز في إبعاد العسكريين عن سدة الحكم، حيث من المتعارف عليه أن مهمة الجيش تنحصر في حماية الحدود الخارجية للبلاد من الأعداء وليس لها أن تتولى السلطة المدنية، وكما هو الحال في الدول الديموقراطية العريقة، وإذا راجعنا التاريخ التركي الذي يُعتبر فيه الجيش حارساً أميناً على الأتاتوركية (تراث كمال أتاتورك مؤسس الجمهورية التركية)، وإذا لاحظنا كيف أنّ الجيش التركي قفز إلى السلطة وحكم لسنوات طويلة أدركنا كم كانت مهمة أردوغان صعبة في تحييد الجيش وتصليب المسار الديمقراطي، وكلنا يتذكر كيف حاول الجيش التركي في عام (2016) الانقلاب على السلطة المدنية ولكنه فشل فشلاً ذريعاً ليس فقط بسبب موقف أردوغان الصلب، بل بسبب مقاومة الشعب التركي الذي نزل إلى الشوارع وقاوم الانقلابيين بشراسة.
ثالثاً: نقلته المشهودة للاقتصاد التركي من اقتصاد شبه مُنهار إلى اقتصاد مكنّ تركيا من دخول نادي دول العشرين (أغنى عشرين دولة في العالم). صحيح أن الاقتصاد التركي الآن ليس في أحسن أحواله بدلالة ارتفاع نسبة التضخم، وتدني قيمة الليرة التركية بالنسبة للدولار، وارتفاع الأسعار إلّا أن الاقتصاد التركي يظل قوياً وواعداً، ومن الإنصاف أن نشير إلى أن فترة حكم أردوغان شهدت إنجاز مشاريع عملاقة عديدة سواء في المجالات المدنية أو الدفاعية.
رابعاً: إبرازه لدور تركيا كدولة إقليمية رئيسية لها ثقل، وبغض النظر عن رأينا في بعض امتدادات النفوذ التركي في بعض الدول العربية (كالعراق، وسوريا، وليبيا مثلاً) إلّا أن الحقيقة تظل قائمة وهي أن تركيا لها قوات في إحدى عشرة دولة (11) دولة وهذا يدل على تأثير هذه الدولة وقوتها ليس في محيطها القريب فقط بل في محيطها الإقليمي الواسع.
خامساً: محافظته على استقلالية القرار التركي فبرغم أنّ تركيا عضو في حلف شمال الأطلسي (الناتو) وصاحبة ثاني أقوى جيش فيه بعدّ الولايات المتحدة إلّا أن أردوغان كان يتخذ قرارات مستقلة تشير إلى أنه يحكّم مصالح بلاده أولاً فقد ناكف إسرائيل (وهي ربيبة الغرب وبالذات الولايات المتحدة) لفترة طويلة ومازالت علاقات تركيا بإسرائيل ليست في أحسن حال، كما اشترى منظومة السلاح الروسي ( 400 S) المخصصة للدفاع الجوي برغم معارضة الولايات المتحدة لهذه الصفقة، كما أنه وقد يكون هذا هو الأهم لم يطبق العقوبات الغربية على روسيا بعد غزوها لأوكرانيا (أو ما تسميه روسيا العملية العسكرية الخاصة)، ولا ننسى في هذا السياق أيضاً رفضه لانضمام السويد إلى حلف الأطلسي بغض النظر عن رغبة بقية دول الحلف في هذا الانضمام، وإذا تذكرنا الحُقب التاريخية السابقة على حكم أردوغان حيث كانت السياسة التركية تتماهى مع السياسة الأمريكية، وكان العسكر التركي ذوي علاقات "خاصة" مع الولايات المتحدة أدركنا قيمة هذه الاستقلالية في صنع القرار التي اتسمت بها فترة حكم أردوغان حيث الأولوية للمصلحة التركية وليس لأي اعتبار آخر.
إن أردوغان قد ينتخب أو لا ينتخب في جولة الإعادة ولكن لا أحد - إذا كان موضوعياً ومنصفاً - يستطيع أن ينكر المنجزات الكبيرة التي قدمها للصالح التركي العام، وأنه برز كزعيم كبير ذي "كاريزما" ليس على مستوى بلده فقط، بل على مستوى الإقليم والعالم.
مدار الساعة ـ