لا تزال الصين تكثف من دبلوماسيتها لحل الأزمة الأوكرانية وإيقاف الحرب المستعرة منذ 15 شهراً بين روسيا وأوكرانيا, وقد بدأ جلياً اهتمامها بالتوسط لحل هذه الأزمة منذ زيارة الرئيس الصيني لروسيا قبل شهرين, وما تبعها من زيارات مكوكية متبادلة لقادة أوروبيين للصين, ومحاولة التعديل على المبادرة الصينية ذات ال12 بنداً التي اقترحتها الصين لحل الأزمة الأوكرانية, لتتفق مع مصالح أوروبا والولايات المتحدة, وكان آخر هذه الدبلوماسية زيارة وزير الخارجية الصينية تشين غانغ الى كل من فرنسا وألمانيا والنيرويج ولقائه مع نظرائه وزر?ء الخارجية لهذه الدول والتي لم تخلو من مصالح إقتصادية ثنائية بين هذه الدول مع الصين.
وقد صرح الوزير الصيني من النرويج بأنه على الصين وأوروبا أن تنبذا معاً «ذهنية الحرب الباردة", تزامناً مع اجتماع وزاري للإتحاد الأوروبي يهدف إلى تعديل الموقف الأوروبي تجاه الصين, من خلال تبني الصين إلتزام الحياد في الحرب الروسية–الأوكرانية وأن لا تدعم الصناعات العسكرية الروسية وخصوصاً صناعة الصواريخ بتزويدها بالتقنيات المتطورة من خلال الرقائق الإلكترونية, وهذا بدأ واضحاً في محاولة لفرض عقوبات على 9 شركات صينية متخصصة تدعم روسيا لهذه الغاية, إضافة إلى استعداد الإتحاد الأوروبي للتعامل الجدي مع الصين من أجل الب?ث عن حل للأزمة الأوكرانية حيث يرحب الأوروبيون بكل الخطوات الإيجابية من الجانب الصيني للحل, حسب ما جاء على لسان مفوض السياسة الخارجية في الإتحاد الأوروبي جوزيب بوريل.
ليس هذا فحسب بل تريد الصين إيفاد ممثلاً خاصاً إلى أوكرانيا وروسيا ودول أوروبية أخرى خلال اليومين القادمين لمناقشة تسوية سياسية للحرب الروسية–الأوكرانية.
إن كل ما يحدث من تحركات سياسية بين دول أطراف النزاع وحلفائهم, له مدلولاته على أرض المعركة في أوكرانيا, حيث ينتظر كل من طرفي النزاع مؤشرات للإنفراج, فالهجوم المعاكس الأوكراني تأجل, والهجوم البري الروسي تأجل أيضاً, لأن كلا الطرفين يدركان أن الخوض بهذا الهجوم هو بمثابة خسائر بشرية هائلة وتعقيدات جديدة لا تصب في صالح أي طرف, فروسيا قامت بتحصين دفاعاتها في المقاطعات الأربع إضافة إلى جزيرة القرم, وأوكرانيا لا تزال تتزود بالذخيرة وتتسلم مزيداً من السلاح الغربي كالدبابات والطائرات المسيرة ومنظومات دفاعية متطورة.
لذلك فإن أوروبا تتأمل من الصين الكثير لحل الأزمة الأوكرانية سياسياً لكن بحذر شديد, لإنقاذ تداعيات الإقتصاد الأوروبي وضغط الشارع, والتأمل الأوروبي جاء نتيجة الدبلوماسية الصينية التي لعبتها في التقارب بين العملاقين الآسيويين السعودية وإيران،والتي أثبت نجاحها حيث تسابق السعودية وإيران الزمن في التقارب وتنقية الأجواء في المنطقة وحل جميع المشاكل العالقة التي كادت أن تُشعل فتيل حرب في منطقة الشرق الأوسط, وكان آخرها عودة سوريا إلى الحضن العربي.
في حين لا تزال الولايات المتحدة تُعاني بشكل كبير في اقتصادها, ولا تزال تنتظر تحديد سقف دين جديد لتتمكن سياسية الرئيس الحالي بايدن من تنفيذ خططها في الداخل والخارج خصوصاً دعم الأوكرانيين في هذه الحرب.
ولا ننسى القضية التايوانية في هذا السياق, فمن أهداف الصين في دبلوماسيتها مع الاتحاد الأوروبي تحييدهم في هذه القضية, في حين ستضغط الولايات المتحدة في قمة السبع القادمة في هيروشيما في اليابان على كل من روسيا والصين سياسياً في الحرب الأوكرانية والأزمة التايوانية كإحدى أجندات الإجتماع.
في الختام, نرى أن هناك أزمة اقتصادية عالمية خانقة تلوح في الأفق, ولا يمكن أن تُحل إلا بالحل السياسي للأزمة الأوكرانية, والتكامل الإقتصادي بين أوروبا والصين من جانب, والولايات المتحدة والصين من جانب آخر بدون أي تأزيم للقضية التايوانية.