اخبار الاردن اقتصاديات دوليات جامعات وفيات برلمانيات احزاب وظائف للاردنيين رياضة أسرار و مجالس مقالات مختارة مقالات تبليغات قضائية مناسبات جاهات واعراس مجتمع دين اخبار خفيفة ثقافة سياحة الأسرة كاريكاتير رفوف المكتبات طقس اليوم

الوطنية المهربة


عبدالهادي راجي المجالي
abdelhadi18@yahoo.com

الوطنية المهربة

مدار الساعة ـ نشر في 2023/05/16 الساعة 00:44
تابعت الإنتخابات التركية, وتذكرت في لحظة قصيدة لمظفر النواب يقول فيها: (النملة.. حتى النملة تعتز بثقب الأرض, والذئبة تحرس نطفتها).. لست من الناس الذين يكرهون (أردوغان) بل على العكس أنا معجب به, ولكن ما يذبحني في المشهد هو حضور (الوطنية المهربة)...؟ هل الوطنية (كروز دخان) قابل للتهريب؟.. نعم عند البعض هي هكذا.
زمان كنا نطوف الأسواق كلها بحثا عن (المارلبورو) المهرب, والدخان هو ذاته سواء أنتج في الأردن أو أمريكا, هو ذاته.. نفس الأذى ونفس منسوب النيكوتين, ونفس الهدر المالي.. ونفس التكلفة والإنفاق, ولكن المارلبورو المهرب كان يختلف فقط في النكهة ومنسوب العرط, وربما منسوب العرط كان يطغى على النكهة, فتدخين هذا الصنف يعطيك بعض الوجاهة الإجتماعية.
الذين يتباكون أمس على أردوغان, هم ذاتهم الذين يعشقون (الوطنية المهربة).. هم ذاتهم الذين يعظمون إنجازات (أردوغان).. ويتعاطون مع الوطن في إطار الشماتة والمقارنة, هم ذاتهم الذين يشجعون تهريب الضمير والوجدان والقلب... وهم ذاتهم, الذين يمارسون الإستقواء بالإنجازات التركية على حساب عرقنا وسمرة وجوه أولادنا, وعلى حساب التراب والتاريخ والمستقبل.
لقد زرع قلبي في الكرك, ولو أعطوني الدنيا لن يميل قلبي لغيرها, وأنا أرى الأردن.. مثل نجمة في السماء, يخترق ضوئها الغيم والمدى ويشع في النهار والليل, أنا أصلا لا أريد عيوني إن لم أشاهد عمان فيها.. وإن لم أشاهد السلط والكرك وحوران... وأنا إن رأيت الأردن يوما متعبا مريضا, لكني مؤمن أنه حتما سيشفى وينهض... وسيقف مثل معجزة حطها الله في الأرض, على الأقل لم يتورط أهله بالتصفية.. لم يمارس دورا إقليميا مشبوها, لم يوغل جيشه في دم العرب.. لم يغلق بابا في وجه لاجئ أو مكلوم أو متعب, لم يطارد الذين هربوا إلى الشواطئ... ل? يوظف اللجوء لمناكفة أوروبا, ولم تهدر فيه كرامة من جاء من سوريا بفعل الحرب أو من جاء من العراق بفعل الحزن, أو من أتى من اليمن بحثا عن العلاج..
الأردن كبير وعظيم, والأردن لا يقع في باب المقارنات.. ولا يتم التشفي فيه, من يتجارون بالوطنية المهربة, هم ذاتهم من يضعون على جراحه الملح, ومن يتاجرون بالوطنية المهربة هم ذاتهم.. الذين عطلوا القلب, هم ذاتهم الذين أنكروا طعم الخبز وبرودة الماء.. هم ذاتهم من خيطوا جراحنا بأسلاك شائكة... من يتعاطون بالوطنية المهربة من تركيا, هم ذاتهم الذين شاهدوا عمان.. بطرف عين وفتحوا قلوبهم لاسطنبول, هم ذاتهم.. الذين قرأوا أبجديات حزب العدالة والفضيلة وحفظوها, جاؤوا كي يتهموننا بالرذيلة...هم ذاتهم.. من تنكروا للبترا, ولجرش ول?م الشهداء الذي سفحته تركيا على أسوار القلعة.. هم ذاتهم من تنكروا لعروبة تيسير السبول وسيف ابن عدوان, ودم صايل.. هم ذاتهم من تنكروا لزيتون جرش من لم يقيسوا طول السنابل في حوران.. هم ذاتهم من تنكروا لخطى البدوي الذي ذهب لفلسطين كي يقاتل ولم يعد.
تجار الوطنية المهربة, مثل تجار المارلبورو المهرب... فقط هم يحبون (العرط) السياسي.. يعيبون علينا إنتاج الصبر والحب, يعيبون علينا دمنا... يعيبون علينا كل شيء, ويحبون الوطنية بالنكهة التركية.. وأنا لم أشاهد في العالم كله, رجلا يستبدل هواء بلاده بهواء غريب.. لم أشاهد حرا في العالم كله, يستبدل غيمات وطنه بغيمات غريبة..
تجار الوطنية المهربة، ذبحونا بالمبادئ.. قسمونا (لسحيج ومتنفع وكاتب تدخل سريع) وصنفوا الإنتماء على مقاس مسطرة تركية, احتركوا الفضيلة والطهر لهم وحدهم.. ونحن صرنا في عرفهم, من بقايا الجهل وبقايا التخلف.. وبقايا الظلام.
أعود إلى مظفر النواب إلى ما قاله: (..الذئبة حتى الذئبة تحرس نطفتها, والنملة تعتز بثقب الأرض.. أصرخ أين شهامتكم؟).
مدار الساعة ـ نشر في 2023/05/16 الساعة 00:44