أخيراً وبعد ضغوط صهيونية مُكثفّة ومُتواصلة منذ أزيد من أربع سنوات, «أدان» البرلمان الأوروبي, المُكوّن من 705 أعضاء يتم إنتخابهم مُباشرة من قِبل مواطني الدول الأعضاء وعددها 27 دولة, لمدة خمس سنوات وينعقِد لمدة 48 يوماً في السنة.
نقول: أدان البرلمان الأوروبي ما اعتبره «تحريضاً» في كُتب نظام التعليم الفلسطيني.. لم يكتفِ بذلك بل وصفَ هذه المناهج بأنها تحتوي على «مُعاداة السامية»، ذاهباً بعيداً في القرار الذي أصدره قبل يومين مُتهماً «السلطة الفلسطينية استمرارها في التحريض على العنف والكراهية في كتبها المدرسية».
وإذ أبقى البرلمان الأوروبي على جدول أعماله هذه المسألة, بتحريض واضح وإصرار من قبل أنصار دولة العدو الصهيوني في هذا البرلمان (وهم كُثر بالمناسبة) إضافة إلى ضغوط اللوبي الصهيوني في أوروبا, كذلك سفراء الاحتلال وحكوماته المُتعاقبة، فإن إشهار سلاح «مُعاداة السامية» تجاه مناهج السلطة, خصوصاً تلك التي تُدرس في مدارس وكالة الغوث الدولية/ أُونروا، مصحوباً في الوقت نفسه بـ"وقف» التمويل عن السلطة الفلسطينية في شهر كانون الأول المقبل, إذا لم يتم تغيير تلك المناهج، وَفقاً للمعايير «الدولية».. للسلام والتسامح وإزالة الك?اهية (كما نصّ القرار).. هذا القرار الذي صدر بأغلبية 451 مُؤيداً مُقابل 151 مُعارِضاً وامتناع خمسة عن التصويت بدعم من أحزاب «يسار الوسط»، كشفَ من بين أمور أخرى مدى تغلغل ونفوذ اللوبي الصهيوني والحركة اليهودية العالمية, ورهط المتصهينين في برلمان الاتحاد الأوروبي (الممثل لشعوب 27 دولة أوروبية أو قل لـ447 مليون نسمة), وهو ما عكسته نسبة التصويت مقارنة بالمُعارضين, فضلاً عن أن نقاشاً كهذا حول مناهج السلطة الفلسطينية مُستمر منذ أربع سنوات, لكنه إتّخذ هذا العام منحى أكثر خطورة, ليس فقط بإشهار سلاح مُعاداة السامية ?بما هو السلاح الأمضى في يد الصهيونية إضافة بالطبع إلى أُسطورة الهولوكوست), بل أيضاً التلويح بِوقف تمويل السلطة كما المناهج الفلسطينية ورواتب المُدرِّسين التي يتولى الاتحاد الأوروبي تمويلها, علماً أن كل ما يقدمه الاتحاد الأوروبي لسلطة رام الله لا يتجاوز «300» مليون يورو سنوياً.
وإذا ما تذكّرنا موقف البرلمان الأوروبي منذ هذا الملف طوال جولات التصويت الخمس السابقة, ورفض الأغلبية خلالها كل المقترحات التي قدمها أنصار إسرائيل والداعية إلى «حذف أو تنقيح» المناهج الدراسية الفلسطينية, رغم كل ما مُورس من ضغوط على أعضاء البرلمان الأوروبي، فإن ما جرى مؤخراً وبخاصة أن القرار ربط بين «التحريض» في الكتب المدرسية, و«الزيادة» في الهجمات «المُسلّحة» من قبل «طلاب المدارس». ما يُؤشر إلى حجم التضليل الذي تبثّه الدعاية الصهيونية داخل هذا البرلمان وخارجه, وهو ما دفع وزير خارجية العدو/إيلي كوهين (رئيس ?هاز الموساد السابق), لـ«الترحيب» بالقرار الأوروبي واصفاً إياه بـ«التاريخي»، ناهيك أنه كان التقى قبل صدور القرار الاخير, رئيسة البرلمان الأوروبي روبرتا ماتسولا, شاكراً إياها على «خطّها المُتصلّب ضد الفلسطينيين». فيما تولّى وزير «الشتات» الصهيوني/عميحاي شيكلي «شُكر» سفير الاتحاد الأوروبي في تل أبيب على القرار الذي يتّهم المناهج الفلسطينية بـ«معاداة السامية» (علماً أن شيكلي كان وصفَ لسلطة الفلسطينية قبل أشهر, بأنها «كيان للنازية الجديدة، كيان مُعادٍ للسامية وعدو لدود لدولة إسرائيل»).
ليس ثمَّة تفسير لهذا القرار غير المسبوق في تطرّفه, وتناقضه مع كل التصريحات والمواقف والبيانات الأوروبية الرسمية, سوى أنه تسييس فظ للمساعدات التي يصفها الأوروبيون بأنها «مُساعدات إنسانية» للشعب الفلسطيني, فضلاً عن كونها إنحياز للرواية الصهيونية وإهالة التراب على ما يتشدّق به الاتحاد بـ» تمسّكه بالقانون والشرعية الدوليين».. فيما يصمت الاتحاد كما البرلمان الأوروبيين, عن مقارفات وارتكابات جيش الاحتلال ضد «المنشآت التعليمية «المتواضعة» التي يقيمها الاتحاد نفسه في الأراضي الفلسطينية المحتلة, ويكتفي بمطالبة إسرائ?ل بـ«التعويض» عن هذه المنشآت, لكن تل أبيب تدير كتفاً بارداً له يلوذ عندها بالصمت.
ولعل أكثر المواقف نِفاقاً هو موقف مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد/جوزيب بوريل، إذ أعلن «إحتجاجه» السبت الماضي, على «احتمال» حظر المساعدة المالية للسلطة الفسلطينية بسبب محتوى «اعتُبِرَ» مُحرضاً على الكراهية ومُعاديا للسامية في المناهج الفلسطينية, قائلاً: إن السلطة في وضع حرِج وهي مُعرضة لخطر الإفلاس, إذا حُظِر تمويل الاتحاد الأوروبي، وبصفتي - أضاف - الممثل الأعلى للإتحاد..«لن أسمح بحدوث ذلك».
ماذا فعل بوريل بعد صدور القرار؟.
الجواب: لم يُسمع صوته حتى الآن.
** استدراك:
كان البرلمان الأوروبي وافق على الميزانية الأوروبية للعام 2021, لكنه بـ«المُقابل» طلبَ مُجدداً وقتذاك, أن «يخضعَ» دعم الاتحاد المالي للسلطة الفلسطينية في مجال التعليم, لشرط ان تكون «مَضامين الكتب المدرسية مُتوافقة مع معايير اليونسكو», وأن «تُزال منها» كل الإشارات المُعادية للسامية, و«الأمثِلة» التي تُحرِّض على الكراهية والعنف.
أليس ذلك دعوة صريحة لـ«أَسرَلَة» هذه المناهج, وتكريس فظّ للرواية الصهيونية؟.