قبل أيّام قليلة، أكّدت وكالة فيتش للتصنيف الائتمانيّ على تصنيف الأردنّ طويل الأجل للعملات الأجنبيّة عند BB- مع نظرة مستقبليّة مستقرّة.
وعزت الوكالة الدوليّة للتصنيف هذه النظرة المستقبليّة المستقرّة، في هذا الوقت بالتحديد، إلى نجاح الأردنّ في الحفاظ على استقرار الاقتصاد الكلّيّ وتقدّمه في الإصلاحات الماليّة والاقتصاديّة، حيث يأتي هذا في الوقت الّذي قامت فيه وكالة فيتش ووكالات التصنيف الائتمانيّ الأخرى بخفض التصنيف الائتمانيّ للعديد من الدول حول العالم.
على الرغم من استقرار التصنيف الائتمانيّ للأردنّ، فإنّ هذا لا يعني أنّ المشكلات الاقتصاديّة في المملكة انتهت وأصبحت غير موجودة. بل الصعوبات والتحدّيات مستمرّة، بعضها مزمن، وليست سهلة التجاوز أو حتّى المواجهة دون تداعيات وتكاليف عالية على مختلف الأصعدة. ومع ذلك، يشير استقرار التصنيف إلى أنّ عمليّة الإصلاح الاقتصاديّ تتقدّم بشكل إيجابيّ على الرغم من جميع التحدّيات.
فضلاً عن المراجعات الخمس الأخيرة لصندوق النقد الدوليّ أرسلت أيضاً رسالة مهمّة للمؤسّسات الماليّة والمانحين، فجميع الدول الّتي ليس لها برامج مع الصندوق شهدت تراجعاً كبيراً في تصنيفها.
التصنيف الائتمانيّ الإيجابيّ للاقتصاد الأردنيّ يعتبر رسالة مهمّة للخارج والداخل معاً. يشير هذا إلى أنّ السياسة الماليّة تسير بشكل إيجابيّ رغم الضغوطات المتعدّدة، وأنّ عمليّات الإصلاح الماليّ قد حقّقت تقدّماً ملموساً ونوعيّاً، خاصّة في مسألة الإصلاح الضريبيّ، من حيث مكافحة التهرّب والتجنّب الضريبيّ، وتوسيع قاعدة الشمول الضريبيّ، والّتي كان لها تأثير كبير في دعم الاستقرار الماليّ، كما يؤكّد ذلك على قدرة الحكومة على الإصلاح إذا توفّرت الإدارات السليمة والرشيدة.
استقرار التصنيف الائتمانيّ للأردنّ في هذا الوقت بالذات يعدّ من أهمّ العوامل الّتي تؤثّر على الاقتصاد والاستثمار في البلاد. فهو يساهم في جذب المزيد من الاستثمارات الأجنبيّة، ممّا يؤدّي إلى تحسين النموّ الاقتصاديّ وزيادة فرص العمل.
التصنيف الائتمانيّ الجيّد للأردنّ يتيح الوصول إلى التمويل الخارجيّ بأسعار فائدة أقلّ، بالإضافة إلى إمكانيّة تحديث الديون الخارجيّة بأسعار أفضل. هذا يخفّض إجماليّ تكلفة الدين، ويعزّز مستوى الثقة في اقتصاد البلاد، كما حدث في سندات اليورو البنود الأخيرة الّتي طرحها الأردنّ.
بالطبع، يعتبر هذا إنجازاً اقتصاديّاً حقيقيّاً في هذه المرحلة بالذات، والّتي تشهد تداعيات سلبيّة على اقتصاديّات العديد من دول الجوار في المنطقة الّتي تمّ تخفيض تصنيفها الائتمانيّ. الّذين لا يرون هذا الإنجاز، يمكنهم النظر إلى ما قد يكون عليه الوضع الاقتصاديّ للمملكة في حال -لا قدر اللّه- تمّ تخفيض تصنيفها. يمكن أن يكون لعدم تصنيف الأردنّ ائتمانيّاً بشكل إيجابيّ عدّة تداعيات سلبيّة على الاقتصاد والمجتمع، منها:
1- ارتفاع تكاليف الاقتراض: قد ترتفع تكلفة الاقتراض من الخارج، ما يؤدّي إلى زيادة الديون الخارجيّة، وتزيد هذه الزيادة في تكاليف الاقتراض عن طريق الفوائد، ما يؤثّر على تحسين قيمة الدينار الأردنيّ.
2- تأثير على الاستثمارات الأجنبيّة المباشرة: قد تتأثّر تدفّقات الاستثمارات الأجنبيّة المباشرة إلى الأردنّ إذا لم يتمّ تحسين التصنيف الائتمانيّ للأردنّ.
3- تقليل الثقة في الاقتصاد الأردنيّ: قد يؤدّي عدم تحسين التصنيف الائتمانيّ للأردنّ إلى انخفاض الثقة في الاقتصاد الأردنيّ عموماً، ممّا يمكن أن يزيد من صعوبة العمل والإنفاق الحكوميّ.
4- ارتفاع معدّل التضخّم: قد يؤدّي عدم تحسين التصنيف الائتمانيّ للأردنّ إلى زيادة معدّل التضخّم في البلاد، وهو ما يؤثّر بشكل كبير على العمل، حيث يزيد من ارتفاع الأسعار والتضخّم.
5- الانقسام الأسريّ والاجتماعيّ: يمكن أن يتسبّب أيّ تدهور في الاقتصاد في انقسامات، وربّما حالة فوضى بسبب استمرار القلق الاقتصاديّ. حيث يصبح الناس أكثر عدائيّة وعرضة للانقسام الأسريّ والاجتماعيّ، وهذا قد يؤثّر بشكل كبير على الطبقة العاملة في المجتمع.
هذا الإنجاز لم يكن ليتحقّق لولا الجهود والتناغم الإيجابيّ الّذي حدث بين البنك المركزيّ ووزارة الماليّة، والتوافق على ثوابت اقتصاديّة تهدف أساساً إلى تعزيز الاستقرار الاقتصاديّ وزيادة قدرته على الصمود في وجه جميع التحدّيات المحلّيّة والإقليميّة والدوليّة الّتي تحيط به.
باختصار، يساهم التصنيف الائتمانيّ الجيّد للاقتصاد الأردنيّ في تعزيز الثقة في الاقتصاد والسياسة الاقتصاديّة، ويرفع مستوى الاستثمار في البلاد والنموّ الاقتصاديّ، ممّا يجعل الاقتصاد أكثر استقراراً ومستداماً في المستقبل.