ما يزال موضع نقاش وتحليل وقراءات عديدة خصوصاً أميركية, تكاد تكون مُتطابقة حدود التماهي مع ما نشرته أسبوعية «نيوزويك» الأميركية في عددها قبل الأخير(3 آيار الجاري), في تقرير لها بعنوان «نهاية القرن الأميركي بدأت من الشرق الأوسط». لافتة إلى أن القرن الحالي الذي «شهِد سيطرة الولايات المتحدة بدأ في الإنتهاء من منطقة الشرق الأوسط, في الوقت ذاته الذي تضمن فيه عدد نيوزويك وجهة نظر أخرى ولكن تجاه مستقبل الدولار الأميركي, تحدّث عنه الرئيس المُشارك في مجموعة الأزمات الدولية/فرانك غوسترا, الذي رأى أن «إلغاء إعتماد دول?العالم على الدولار الأميركي قد أصبح حتميّة لا مفرّ منها».
هنا يبدأ التقرير الأول حول نهاية القرن الأميركي, الذي أعدّه توم أوكونور/نائب رئيس التحرير المُختص بالشؤون الدولية والأمن القومي, من العبارة التي قالها الرئيس الصيني/شي جين بينغ لنظيره الروسي/بوتين خلال زيارته الأخيرة لموسكو 20 - 22 آذار الماضي: «هناك تغييرات كبرى لم نَشهد مثلها خلال قرن من الزمان». إذ رأى الصحافي الأميركي أن ما قاله «شي» لم تكن مُجرد عبارة دعائية، بل - أضافَ - أقرب لتكون حقيقة مُعبرة عن تغيّر كبير في النظام الدولي, ذاهباً على الفور في اتجاه الشرق الأوسط» الذي - كما قال أُكونور - كرّست الول?يات المتحدة الكثير من موارده, لصياغة نظام القرن الحادي والعشرين.
وكان مثيراً للإنتباه أن مُعِد التقرير منحَ الأولية لنجاح الصين في الوساطة بين السعودية وإيران قبل شهرين (11 آذار الماضي) قائلاً: قبل نحو شهريْن، نجحت الصين في الوساطة بين السعودية وإيران, لتسحب بيجين - أضافَ - دور الوسيط, التي استحوذت عليه واشنطن لعقود بين دول المنطقة, ليس لدينا - استطردَ - أي علاقات دبلوماسية مع طهران بينما علاقاتنا مع الرياض أصبحت مشوبة بالتوتّر.
لم يتوقف أوكونور عند هذا التطور الدراماتيكي, الذي لا مبالغة في وصفه بـ«الصفعة ثُلاثية الأبعاد للنفوذ الأميركي في المنطقة»، ناهيك تداعياته على الصعيد الدولي. الأمر الذي يمكن رصده في ما واصلَ أوكونور.. التأشير على «ما نهضتْ به الدبلوماسية الصينية تجاه منطقة الشرق الأوسط», مُعتبراً إيّاه «مُغازلة» من قِبل بيجين للشرق الأوسط, اثبتت (المغازلة الصينية) انها ذات قيمة خاصّة بالنسبة لها، بما هي أكبر مستورد للنفط في العالم»، تريد «كل من إيران والسعودية, مواقع في كتلتي التجارة والأمن (بريكس بلس ومنظمة شنغهاي للتعاون)? قد تمنح عضويتهم بيجين القدرة على الصمود في وجه حملة عقوبات أميركية مُحتملة, مثل تلك التي فُرضت على روسيا بسبب حربها في أوكرانيا».
وإذ اعتبر أوكونور أن «النفط» كان في قلب الشراكة الاستراتيجية بعد الحرب العالمية الثانية التي أقامتها الولايات المتحدة مع السعودية، إلاّ أنه رصد جُملة من القرارات والإجراءات الأميركية التي فتحت شرخاً كبيراً مع الرياض. ثم يمضي إلى توجيه نقد لاذع ومرير لـ"سياسات واشنطن المتبعة مع دول العالم, التي لا تقوم على ممارسة الإقناع» ناقلاً عن الدبلوماسي المتقاعد تشايس فريمان قوله:"نحن نتبجّح ثم نُهدّد ثم نتوعّد، ثم نفرض العقوبات، ثم نرسل الجنود، ونبدأ بالقصف»، مُضيفاً/فريمان: «نحن لا نمارس أبداً فن الإقناع». كما يَعتب?ر فريمان الذي صاحب الرئيس السابق ريتشارد نيكسون في زيارته للصين عام 1972، وعمل سفيراً في بكين لمدة طويلة، أن «لحظة التوهّج الدبلوماسي لواشنطن قد ولَّت منذ فترة طويلة، وأصبحت قدرتها على الضغط أضعف، ومع ذلك – أضاف–نتعامل مع العالم كما لو كُنّا لا نزال نمتلك القوّة التي (لا) يُمكن مُواجهتها، كما توهّمنا في نهاية الحرب الباردة».
ماذا عن فقدان «الدولار»... أهميته؟.
يقول فرانك غوسترا/ الرئيس المُشارك في مجموعة الأزمات الدولية: إن فكرة فقدان الدولار لهيمنته لم تكن تخطر ببال غالبية دول العالم المُتقدم، حتى «قرّرت الولايات المتحدة والحلفاء تجميد احتياطيات العملة الروسية، وفصلها عن نظام سويفت، على خلفية هجوم موسكو على أوكرانيا». لافتاً أن هذه الخطوة أسفرت عن تنامي مقاومة الدولار الأميركي، مع إبرام العديد من الدول لاتفاقيات تجارية «غير دولارية»، وعودة خطط مجموعة بريكس لإصدار عملتها الخاصة. مُضيفاً: «يَعتمد بناء الأنظمة المالية على الثقة. وإذا تم تسليح تلك الأنظمة المالية، ?سوف تفقِد الثقة اللازمة للحفاظ على هيمنتها».
ثم أضاء على حقيقة عجز واشنطن تغيير حتميّتها قائلاً: يُؤدي ارتفاع سعر الدولار الأميركي إلى رفع أسعار السلع، مما يُجبر الدول النامية على استيراد التضخم الأميركي فعلياً. ستظل - واصلَ - جهود إلغاء الدولرة قائمةً رغم المعارضة الأميركية المُحتملة؛ لأن غالبية دول العالم «غير الغربي» تُريد نظام تجارةٍ لا يجعلها عُرضةً لمخاطر تسليح أو هيمنة الدولار. «ولم يعد الأمر مُجرّد إحتمالية، بل أصبح مسألة وقت».