هل انتهى «حل الدولتين» فعلا ؟ وزير الخارجية، أيمن الصفدي، أكد في تصريحات على هامش اجتماع مجموعة ميونخ «أننا أصبحنا قريبين جدا من انتهاء جدواه»، فيما الحقيقة أن هذا «النعي» جاء متأخرا لأسباب قد تبدو مفهومة، تل أبيب عمليا أعلنت وفاة «الفقيد « منذ سنوات، وتركت مهمة تحديد موعد «الدفن « للفلسطينيين، أما العالم فلم تعد القضية تشغله، ما يعني ببساطه أن صفقة القرن قيد التنفيذ، وأن خيار « اللادولة»، هو المطروح أمامنا على الطاولة، ووفق موازين القوى الراهنة فليس أمام الفلسطينيين سوى القبول بالأمر الواقع، سواء جاء على صيغة إدارة محلية، أو سلطة شكلية، أو وصاية إقليمية.
هل يقبل الفلسطينيون ذلك؟ بالتأكيد لا، لكن هذه «اللاء» ستبقى عاجزة عن فعل أي شيء إن لم تستند إلى الأوراق قوّة، أبرزها تجاوز الانشقاق الداخلي، وإدامه المقاومة بانواعها، وازاحة مسار الاشتباك السياسي نحو كشف نظام الفصل العنصري «الأبارتايد»، من خلال التركيز على عنوان «الحقوق الفلسطينية «، في إطار التلويح بخيار الدولة الواحدة، هذا العنوان مهم لتعرية الاحتلال، وزيادة كلفته، وتمكين الفلسطينيين من انتزاع حقوقهم وفقا للقوانين الدولية، و تحميل تل ابيب، بالتالي، مسؤولياتها كقوة احتلال أمام العالم.
أردنيا، تبدو المسألة غامضة ومقلقة أيضا، فخيار الدولتين ظل « لازمة « تتكرر في الخطاب السياسي أمام الرأي العام منذ عقود، ورهانا لتسوية عادلة تشكل مخرجا من هواجس ما يسمى بـ»الخيار الأردني «، الآن أصبحنا أمام واقع جديد لا مجال للتغطية عليه أو تجاهله، صحيح ثمة من يعتقد أن الترانسفير مازال مطروحا في صميم الاستراتيجية التي تعمل لها وتروّج تل أبيب، وصحيح أن الموقف الأردني مازال حازما في مواجهة ذلك.
لكن يجب أن ننتبه لما هو أبعد من ذلك، أقصد نقطتين اثنتين، الأولى تصليب الموقف الأردن من خلال جبهة داخلية قوية ومتماسكة، واقتصاد يعتمد على الذات، وعملية سياسية مقنعة تستعيد ثقة الأردنيين بدولتهم وانفسهم، ثم الخروج من حالة التكيف والانتظار إلى حالة المواجهة السياسية المحسوبة مع « اسرائيل»، وفق مقاربات جديدة ومختلفة.
أما النقطة الثانية فتتعلق بمسار اعادة «تعريب القضية الفلسطينية « أقصد وضعها على أجندة العواصم العربية (والإسلامية والدولية )، صحيح أن هذا المسار انحرف نحو اهداف أخرى تتعلق بكل دولة حسب مصالحها، لكن الصحيح ان انفراد الأردن بتحمل كلفة المواجهة وحده على المدى البعيد غير ممكن، ما يستوجب استدارة للعمق العربي والإسلامي والدولي، عمان تستطيع أن تفعل ذلك، كما فعلت في المسألة السورية، وكما فعلت في العقود الماضية لليمن والعراق..الخ.
أدرك، تماما، أن مواجهة وفاة «حل الدولتين «، ناهيك عما يفعله الاحتلال تجاه الفلسطينيين «العدوان على غزة مؤخرا»، ثم ما يفكر به تجاه الأردن تحديدا، والإقليم بشكل عام، يتجاوز الأمنيات والرغبات، كما أن استدعاء ما نملك من أوراق قوة لا يتم بكبسة زر، أعرف أيضا أن وراء هذه النتيجة التي وصلنا إليها تراكمات من الأخطاء التي استثمر فيها المحتل، واستخدمها لكي يستفرد بفلسطين وبمصالحنا، ويضعها في دائرة التهديد والقبول بالأمر الواقع، لكن مع ذلك كله، لا يجوز أن نبقى أسرى لهذه المعادلات، أو أن نستسلم لما يُطرح علينا من سيناريوهات، هذا الكيان المحتل لا يفهم إلا التعامل بالندية، ولا يقيم اعتبارا إلا لمن ينتزع حقوقه بما يملكه من أوراق قوة، ومواقف صلبة.
بقي لدي نقطة اخيرة، وهي التذكير بضرورة استدعاء «القضية الأردنية « كعنوان أساسي لمواجهة ما ينتظرنا من أخطار، ليس على صعيد الاحتلال غربي النهر، وإنما استحقاقات المرحلة القادمة كلها، وتجاوز ما تم نصبه من « أفخاخ» لإبقائنا في دائرة الخوف والانتظار، أرجو من القارئ الكريم أن لا يسألني عن هذه «الأفخاخ» فما المسؤول عنها بأعلم من السائل.