مع حلول الذكرى الـ «75» للنكبة الفلسطينية/ 15 أيّار, برزت مؤشرات لافتة قد لا تكون جديدة لكنها أخذت مؤخراً, أبعاداً غير مسبوقة في إشهار سلاح «مُعاداة الساميّة, في ِوجه كل متعاطف مع القضية الفلسطينية أو حاول إعادة التذكير بما لحق ويلحق بهذا الشعب منذ ثلاثة أرباع القرن (وقبلها بالطبع) من ظلم وقمع وتنكيل وقتل, وعلى رأس هؤلاء ساسة ورؤساء دول وبرلمانات ومؤسسات إعلام وحكومات خاصّة في دول «العالَم الحر", الذي يزعم زوراً أنه المُدافع عن الديمقراطية والحريات العامّة القانون الدولي وتقرير المصير, وغيرها من المصطلحات ?لتي تبرع الدوائر الإمبريالية في اختراعها, وبخاصّة واشنطن كلما شعرت ان مصالحها مهدّدة أو ان أحد حلفائها وبخاصّة اسرائيل في وضع المُتّهم, أو باتت جرائمها المستمرة ضد الشعب الفلسطيني محل إدانة, فتقوم بإشهار سلاح مُعاداة السامية في وجه كل من ينتقدها, مُترافقاً مع السلاح «الثاني» اللذيْن اعتمدت عليهما الدعاية الصهيونية المؤسطرة وهو «الهولوكوست». كما فعل رئيس مجلس النواب الأميركي الجمهوري/مكارثي, عندما ألغى فعاليّة لإحياء ذكرى النكبة الفلسطينية، كان مُقرّراً إقامتها في الكونغرس بطلب من النائبة رشيدة طليب (فلسطين?ة الأصل) يوم الأربعاء الماضي/10 أيّار.
هذا ما نقلته حرفيّاً صحيفة «جيروسالم بوست» الصهيونية، مُضيفة أن مكارثي كتبَ على تويتر الثلاثاء/9 أيار, ما نصّه «ألغيتُ فعالية مبنى الكابيتول (لم يذكر عنوانها قصداً) بل أضاف: «وعِوضاً عنها سأستضيف مناقشة من الحزبين لـ(الإحتفاء) بالذكرى الـ«75» للعلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل.
الإنحياز لإسرائيل بل عِداء المسؤول الأميركي للشعب الفلسطيني واضح ومُعلن، لكن الأمر لم ينته هنا بل خرجَ أحد عتاة الصهاينة (وأحد شركاء صهر ترمب/كوشنير في ترتيب وتسويق صفقة القرن واتفاقات ابراهام وهو جوناثان غرينبلات), الذي يشغل الآن منصب الرئيس التنفيذي لرابطة مكافحة التشهير (وهي منظمة صهيونية بامتياز), مُقدِماً/غرينبلات شكره وامتنانه لرئيس البرلمان/مكارثي, لإتخاذه إجراء سريعاً، مُضيفاً القول «هناك مجال للحديث عن هذه المشكلات, ولكن - واصلَ - ليس في فعاليّة برعاية أشخاص يُتاجرون بمُعاداة السامية والكراهية». ه?ذا وبهذه الأساليب المافياوية التي تتقن الدوائر الصهيونية وأصدقاؤها في الولايات المتحدة كما في أوروبا, استخدامها ضد أي محاولة لتسليط الأضواء على الإرتكابات والجرائم الصهيونية بل وتبرير مقارفات الدولة العنصرية في فلسطين المحتلة, عندما يقولون بدءاً من رئيس الولايات المتحدة وأركان إدارته كما الكونغرس بمجلسيه, ورهط كبير مُماثل في أوروبا،عن «حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها», ويقومون باستصدار قوانين تُجرِّم وتُغرم وتسجن كل مَن يجرؤ على انتقاد الصهيونية أو دولة الإحتلال, بعد أن ساوت تلك «القوانين» بين/ اليهودية والص?يونية ودولة العدو.
كذلك كان باعثاً على الدهشة والغضب, مسارعة الرئيس الفرنسي/ماكرون, المأزوم الذي يواجه انخفاضاً غير مسبوق في شعبيته, على وقع الإحتجاجات الشعبية والنقابية والحزبية التي لم تتوقّف, ضد مشروع تعديل سِنّ التقاعد (أصبح قانوناً نافذاً), مسارعة ماكرون لإستثمار حادث إطلاق النار أمام كنيس يهودي في جزيرة جربة التونسية, بإعلان «تعهّده مكافحة معاداة السامية», ولم تُفوِّت رئيسة الوزراء الإيطالية/جورجيا ميلوني حفلة النفاق هذه لتقول: «ان الهجوم الجبان على كنيس جربة.. أثّرَ علينا بشدّة». فيما ماكرون وميلوني التزما الصمت إزاء ?ا يحدث في الضفة الغربية المحتلة, وخصوصاً جرائم حكومة نتنياهو الفاشية في قطاع غزّة ضد المدنيين الأبرياء.
أما عن «الهولوكوست» السلاح الثاني الأكثر خطورة وتاثيراً, كلما جاءت ذكراه, فحدِّث ولا حرج. إذا ما تزال الصهيونية العالمية تستثمر طويلاً وكثيراً فيه, مُنكِرَة أي محاولة لتشبيه جرائم إبادة أخرى, فاقت أو ماثلت بشاعتها ارتكابات النازية, بل مجرد تسميتها «إبادة جماعية» كما حدث في أرمينيا ورواندا, بل رافضة حقيقة أن النازيين لم يُبيدوا اليهود وحدهم, بل ثمّة ضحايا من شعوب وديانات وأعراق أخرى.
** إستدراك: من أين أتت عبارة مُعاداة السامية؟.
تحت هذا العنوان نشر «إدريس ولد القابلة» بحثاً مُهماً أقتيِسُ منه:
«كانت معاداة السامية كمفهوم وحركة، ردًا على ما سُمي بـ«المسألة اليهودية»، والتي نشأت في حد ذاتها مع الصعود الاقتصادي والثقافي والسياسي الملحوظ لليهود, خلال القرن التاسع عشر واندماجهم في الحياة الأوروبية السائدة. بالنسبة لبعض الشعوب التي كانوا يعيشون بينهم، كان هذا التراكم السريع للسلطة في يد اليهود مثابة تهديد يُنذِر بالسوء. لقد اعتادوا على رؤية اليهود كحرفيين صغار وزنادقة وباعة مُتجولين وطفيليين. وأصبحوا يُواجهون الآن قادة سياسيين يهود وعلماء ومُثقفين من مستوى عالٍ جداً ومصرفيين، ونقباء صناعة وضباط جيش وأ?اتذة ورؤساء. فلم يعد اليهود (أجانِب) لا حول لهم ولا قوة، وإنما أضحى يُنظَر إليهم على أنهم ماهرون في مجال السلطة المُكتسبَة خِلسَة ومِن خلف الِستار أو مِن تحت الطاولة».
.. انتهى الاقتباس.