من يحسم نتيجة الانتخابات الرئاسية اليوم في تركيا: رجب طيب أردوغان أم كمال كليتشدار اوغلو ؟
لا احد يعرف، بالطبع، خلال الأيام الفائتة تعمدت أن أسأل الكثيرين ممن التقيتهم في اسطنبول : سائقو التاكسي، الشباب في المطاعم والمقاهي، بعض الصحفيين والخبراء السياسيين، بعض المقيمين العرب هناك..وغيرهم، الإجابات والمتابعات تعكس حالة الانقسام التي تغلغلت داخل المجتمع التركي، ليس، فقط على جبهة تقدير المصالح والطموحات، وإنما على صعيد الهويات وحسابات التاريخ، و هواجس الجغرافيا، تركيا أمام الصناديق، وهي تبحث عن ذاتها، تبدو قلقة ومنفعلة ومرتبكة، ربما هذه المرة الأولى في تاريخها المعاصر التي تبدو كذلك.
الدين كان حاضرا المشهد الانتخابي، حين سألت أحد الاتراك عن تركيا بدون أردوغان أجاب على الفور : إنها نهاية الإسلام لا قدر الله، العلاقة مع الغرب كانت موجودة أيضا، أحد الشباب حاول أن يقنعني ان كليتشدار هو الأفضل لمستقبل تركيا بالانفتاح على العالم، ملف اللاجئين انتصب وأيقظ نوازع العنصرية، ومخاوف المقيمين العرب والأجانب، كثير من الشباب السوريين والمصريين تضرعوا بالدعاء لاردوغان، لان هزيمته تعني طردهم خلال عامين، حادثة قطع الكهرباء، وتعطيل حركة «الترامات» التي اتهم بها رئيس بلدية اسطنبول يوم المهرجان الذي نظمه حزب العدالة والتنمية، فتحت الباب لسجالات طويلة استثمرها أردوغان بمكالمة مع الرجل المسن (اسمه حسين 80 عاما ) الذي أصر على المشاركة مشيا على الأقدام.
على طاولة الانتخابات حضرت كل الملفات : ملف الديمقراطية ومستقبلها، حيث تتوزع هواجس الاتراك بين تجربة استثنائية عاشوها مع أردوغان، و أخرى قادمة لا يعرفون من الأفضل من المرشحين الاثنين لاستدامتها أو تطويرها، ملف الإسلام السياسي الذي يشكل العلامة الفارقة بين برنامجي المرشحين، ملف الهجرة واللجوء الذي داعب فيه أردوغان مؤيديه، واستخدمه كليتشدار لدغدغة نوازع القومية لدى قاعدته الانتخابية، ملف العلاقات الدولية، خاصة مع أمريكا أوروبا، لا شك أن الاصوات التي جاءت من هناك لا تفضل فوز اردوغان، ملف الإنجازات الاقتصادية، لعل قصة القطار الممتد من الصين لتركيا التي قال كليتشدار انه حلم حياته، ورد عليه وزير الاتصال بأنه مشروع قائم منذ عامين، أنعشت حملة مؤيدي أردوغان للتذكير بما تحقق من مشروعات وضعت تركيا على قائمة أفضل 20 اقتصادا بالعالم.
خارطة الانتخابات، أيضا، تبدو معقدة، فعلى يسار مرشح المعارضة تجلس عدة قوى انشقت عن اردوغان بعد أن كانت جزءا من قاعدته او تجربته، : حزب السعادة الإسلامي، وأحمد داود اوغلو ( حزب المستقبل )، وعلي باباجان (حزب التقدم الديمقراطية )، وكذلك عبدالله جول، فيما يجلس على يسار أردوغان نجل أربكان الفاتح (حزب الرفاه الجديد )، و (هدى بار) الكردي، واليسار الديمقراطي، هذا التشكيل لدى المرشحين ربما يعكس محاولة كليهما ابراز حالة التنوع التي تميزه، كما يعكس حالة الانقسام لدى القوى السياسية والاجتماعية والايديولوجية، ومدى قدرة المتنافسين على استدعاء خصومات التاريخ السياسي، واستثمارها لاستقطاب اصوات الاتراك.
أكيد، تركيا مع انتصار جديد وأخير لأردوغان لن تكون مثل تركيا مع كليتشدار وحزب الشعب الجمهوري والطاولة السداسية، أكيد، أيضا، ان انتصار أردوغان مع عدم حصول تحالف العدالة والتنمية على 300 عضو بالبرلمان سيكون هزيمة لـ» الفتى الشجاع» الذي قاد تركيا على مدى عقدين واكثر، وهذا ينطبق على كليتشدار أيضا، أكيد، ثالثا، أن أطرافا دولية وإقليمية دخلت على خط الانتخابات، وفق مصالحها وحساباتها، لكن اصوات الاتراك هي وحدها من يحدد مسار تركيا في المرحلة القادمة، أكيد، رابعا، أن مخاضات الصناديق التركية اليوم ستلد مفاجآت، وربما زلازل، تصب في الإقليم خارجه، وتشكل خرائط لتحالفات و تحولات جديدة.
أكيد، أخيرا، أن هذه التجربة التركية في الديمقراطية والانتخابات ستذكرنا بما افتقدناه في عالمنا العربي، حيث لا مشروع ولا إنجازات حقيقية، ولا انتخابات نزيهة، ولا مجتمعات حيّة تستنفر أمام الصناديق، لتقول كلمتها، وتقرر بإرادتها مستقبلها الذي تريد.