في الحالة الحزبية الأردنية، هناك تناقض مطلق بين النظرية والتطبيق، بين الشكل والمضمون، بين الولادة السياسية الشعبية الطبيعية، والقيصرية!
الأحزاب الوليدة الجديدة، تم تلقيحها خارج رحم العمل السياسي الأصيل، وجرى تخصيبها داخل أنابيب مخبرية، في محاولة لتخليق جنين سياسي يتماهى مع متطلبات المرحلة!
ولو سألنا أنفسنا بصدق: ما الذي أقنع المتحزبين الجدد بالانخراط في العمل الحزبي بين ليلة وضحاها ، وهم الذين كانوا ألد اعدائه وأشد خصومه؟
ما هو السر، والسحر، الذي أثر على أدمغتهم، وقلب أفكارهم وقناعاتهم الراسخة 180 درجة، وحولهم من نخب بيروقراطية مستنزفة مستهلكة، إلى دعاة حزبية وتعددية بضراوة؟
هل فرض قانون الانتخاب الذي حاصص الأحزاب بواحد وأربعين مقعداً برلمانياً، على النخب المنفردة، بتأطير نفسها، طمعاً باعادة ولوجها عبر بوابة الأحزاب نحو المقاعد البرلمانية؟
وهل فتحت كعكة الحكومة البرلمانية الموعودة، الشهية السياسية لمن كان بعضهم خصماً عتيداً للديمقراطية والحزبية، ولا يعمل إلا وفق بوصلة مصالح شخصية ضيقة؟
ثم، ما هي القواسم الفكرية والايديولوجية المشتركة التي تمكنت من لم "الشامي على المغربي" تحت راية حزبية واحدة؟
إذا كانت الأحزاب الوليدة تستند على "البرامجية" للوصول إلى توافقات مشتركة، فما هو الجديد في برامجها؟ وهل ستنتج طروحات سياسية واقتصادية غير مسبوقة؟، أم أنها مرغمة على "استنساخ" أو "تجميع" برامجها مما هو مطروح سلفاً على طاولة الأيدولوجيات السياسية والاقتصادية الأزلية المعلومة؟
وهل يمكن لفكرة "البرامجية" أن تكون القاسم المشترك لمتناقضات فكرية وأيديولوجية، وتؤطرها حزبياً، بناء على "قصاصة ورق" يتم التوافق عليها؟
التوليفات الحزبية الصاعدة، تجمعها قواسم براغماتية صرفة، طمعاً بالمغنم، وربما عند أول تقاطع في المصالح، سيترجل المتحمسون من الحافلة. مثلما سبق لمتحزبين فجائيين قبل زمن قريب، وصلوا إلى الكَرم ، وانتهت مسيرتهم الحزبية بالاختلاف على تقاسم العنب!
والسؤال: ما الذي يمكن للأحزاب الوليدة الخداج، والعتيقة المتكلسة، من تحقيقه على أرض الواقع؟ وما الذي سيختلف فعلياً على طبيعة الممارسة السياسية وجدواها، وكيف يمكنها أن تثري الدولة الاردنية سياسياً، من تأطير النخب التي لم تمتهن الحزبية يوماً، بل كانت في الخندق المقابل، ولها إرثها السياسي ووزرها التاريخي، بما لها وما عليها، لترتدي اليوم طربوش الحزبية، وترفع راية المخلص.
الحزبيون الجدد، غالبيتهم الساحقة سبق لهم وأن جربوا.. في الحكومات والبرلمانات، ويمكن التأكيد في أبسط تقدير أنه لم يلحظ لهم انجازات تذكر، فالارقام الاحصائية، من مديونية لفقر وبطالة الخ..، كانت تزداد سوءا في عهدهم بعد سوء.
ولو نحينا جميع هذه الملاحظات جانباً، ورسمنا أفضل السيناريوهات الحزبية، بتوفيق أوضاع 25 حزباً على سبيل المثال في نهاية المطاف، هذا يعني أن حصة الحزبيين من العمل السياسي الأردني، لن يتجاوز بضعة الاف أردني فقط، من عشرة ملايين مواطن، ورغم ذلك، سيحصدون ثلث مقاعد مجلس الشعب الأردني برمته!
زد على ذلك، أن رقم المسجلين في كشوفات الأحزاب من ناشطين فعليين وفاعلين، قد لا يتجاوز العشرة بالمئة فقط، من مجمل الأعضاء المسجلين بالطرق التقليدية المعلومة، ممن جمعت بطاقاتهم بالمخاجلة وبحكم العلاقة والقرابة والمصاهرة والمصالح وخلافه، ولا علاقة لهم بالاحزاب سابقاً ولاحقاً، لا من قريب أو بعيد، وهذا يقلص عدد الحزبيين الفعليين المشاركين في اللعبة، إلى رقم دون المتواضع.
ولو عدنا وسألنا أنفسنا بمسؤولية وطنية صادقة: ماذا لو فشلت التجربة الحزبية الموعودة في تجسيد الطموح الملكي، ولم ترتق له؟
ما هي البدائل المطروحة على الطاولة السياسية حينها؟، بعد أن نكون قد استنزفنا جميع أوراقنا، دون صناعة جبهة سياسية وطنية حقيقية قادرة على تحمل مسؤولياتها الوطنية في مراحل هي الأخطر في تاريخ المملكة والمنطقة والعالم؟!
سؤال استراتيجي عابر لا بد من القائه على الطاولة، ولكن : من يقدر على الإجابة؟