أخبار الأردن اقتصاديات دوليات مغاربيات خليجيات برلمانيات وفيات جامعات وظائف للأردنيين رياضة أحزاب مقالات مختارة أسرار ومجالس تبليغات قضائية مقالات مناسبات جاهات واعراس الموقف شهادة مجتمع دين اخبار خفيفة ثقافة سياحة الأسرة طقس اليوم

تشوهات حقيقية في الإنفاق


سلامة الدرعاوي

تشوهات حقيقية في الإنفاق

مدار الساعة (الغد الأردنية) ـ
واحدة من التحديات التي تواجه عملية الإصلاح الاقتصادي في المملكة هي تضخم الإنفاق الذي يتزايد من عام لآخر بشكل كبير وخارج النسب المستهدفة في الموازنة. لا بل غالبية النمو غير العادي في الإنفاق يأتي من سلوكيات رسمية خارج إطار أرقام المالية العامة المقدرة في خطة الدولة المالية.
أبرز مظاهر التشوه في الإنفاق يأتي من بعض البنود التي يتطلب من صاحب القرار الرسمي الجرأة في فتح هذا الملف بعيداً عن الشعبويات التي يمارسها البعض لمصالح خاصة ضيقة.
ملف الإعفاءات الطبية هو مثال على ذلك، حيث حاولت الحكومة إعادة تنظيمه وضبطه بعد اكتشاف أرقام بمئات الملايين تتجاوز كل التقديرات، بل حتى الخطوط الحمراء. وقد بلغ حجم المبالغ المالية المتعلقة بهذا الملف ما يقترب من نصف مليار دينار.
بالطبع، لا يفهم بأنني أدعو إلى إلغاء الإعفاءات الطبية للطبقة الفقيرة، بقدر ما هو دعوة إلى توجيهها لمستحقيها بعد اكتشاف سلوكيات مشينة يمارسها بعض الأشخاص الذين يحصلون على هذه الإعفاءات، بل وكذلك الكشف عن كيفية استغلال هذه الإعفاءات للحصول على امتيازات طبية خارج إطار الإعفاء نفسه نتيجة الواسطات والمحسوبيات التي باتت تسيطر على منح وتداول هذه الإعفاءات.
من يصدق أن كلفة المعالجات الطبية المقدرة بالموازنة للعام الماضي بحوالي 95 مليون دينار قد ارتفعت لتتجاوز الـ450 مليون دينار؟
هذا رقم مخيف اقتصادياً من الناحية المالية وتأثيره على عجز الموازنة واستقرارها العام، خاصة إذا علمنا أن حجم موازنة وزارة الصحة يناهز الـ600 مليون دينار، وأكثر من 300 مليون دينار للخدمات الطبية، وهذا وحده يشمل ما يقارب الـ13 % من حجم الإنفاق الكلي. من الواضح أن هذا الملف يحتاج إلى تدخلات جراحية عميقة لضبط إيقاعه وإبعاده قدر الإمكان عن الصفقات السياسية بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، التي كانت سبباً رئيسياً في خلق هذا التشوه وإبعاده عن مساره الحقيقي.
في ضوء أرقام ميزانية القطاع الصحي الرسمي، أصبحت الحاجة ملحة اليوم للجهات المسؤولة بضبط إنفاق هذا البند الذي يتجاوز إطار التقديرات المالية في الموازنة. ومن المطلوب إعداد استراتيجية وطنية للتأمين الصحي الشامل مرتبطة بنقلة نوعية في مستويات الخدمات الصحية المقدمة للمواطنين، وتحقيق عدالة الممارسات والسلوكيات في الميدان للقضاء على ظاهرة الواسطات والمحسوبيات والشعبويات التي تظهر بين الحين والآخر.
المقصود بتحسين الخدمات هو النهوض الفعلي والنوعي بشكل الخدمات وأداء القطاع الصحي بكافة مرافقه، والارتقاء بكوادر القطاع من أطباء وممرضين وإداريين ليشعر المواطن بجدية وبواقعية التحسن فعلاً لا قولاً.
فالمرافق الصحية موجودة ومنتشرة بكثرة، لكن ينقصها التأهيل والإعداد الإداري والبشري واللوجستي، حتى تكون تلك المرافق على قدر عال من الكفاءة والمهارة في التعامل مع مختلف الحالات وبشكل عادل ومنظم دون الحاجة لتدخلات وواسطات من هنا وهناك. فلا يعقل أن تكون المعالجات الطبية خاضعة للوساطات والمحسوبيات، فهذا أمر معيب للغاية.
أخيراً وأقولها بكل صراحة، ليس لدينا حاجة إلى بناء المزيد من المرافق الصحية، التي نملكها حالياً تكفينا. نحن بحاجة لمنظومة إدارية حديثة تدير موارد الدولة بقوة وحكمة بعيداً عن الهدر والظلم الحاصل سواء أكان في الأموال، أو في الخدمات كما هو الحال الآن للأسف.
مدار الساعة (الغد الأردنية) ـ