بدأت قبل أيام قليلة بعثة صندوق النقد الدولي بإجراء المراجعة السادسة لبرنامج التصحيح الهيكلي المبرم مع الأردن والذي يمتد لأربع سنوات.
الأردن استطاع أن يجتاز المراجعات الخمس السابقة بكل صعوباتها وتحدياتها التي عاشها الاقتصاد الوطني، رغم أن البرنامج وقع في نهاية شهر آذار من عام 2020، أي بعد أيام قليلة من انتشار جائحة كورونا، والتي ألقت بظلال قاتمة على الاقتصاد الوطني. ومع ذلك، اجتاز الأردن هذا التحدي، وواصل بعمليات الهيكلة والتصحيح الاقتصادي، والالتزام بكل تعهداته الداخلية والخارجية دون تأخير. وهو الأمر الذي حظي بتقدير المانحين والمؤسسات الدولية في الوقت الذي بدأت فيه بعض الدول الإعلان عن تأخرها أو عدم قدرتها على السداد.
ولا ننسى أن في ذلك من باب التذكير لا أكثر، أن الحكومة أوفت بسداد سندات يوروبوند بقيمة 1.25 مليار دولار بعد ثلاثة أشهر من الجائحة، وفي ظل حظر شامل في المجتمع وإغلاق كامل لغالبية الأنشطة الاقتصادية. مع دفع كافة الالتزامات الداخلية لموظفي القطاع العام والمتقاعدين خلال شهور الحظر الشاملة.
الاتفاق الحالي بين الأردن والصندوق ينتهي العمل به في بداية 2024، وحينها سيكون أمام الحكومة خياران لا ثالث لهما، إما إعداد برنامج وطني ذاتي للتصحيح الهيكلي، وإما الاستمرار ببرنامج جديد مع الصندوق يضع أولوياته التنموية للأردن وهو في وضع مريح بعلاقاته مع المؤسسات الدولية.
الغالبية طبعاً تفضل برنامجاً وطنياً للإصلاح الاقتصادي، وهذا فعلاً في حال تحقق ونفذ سيكون إنجازاً بحد ذاته. لكن من الممارسات السابقة نكتشف أن في الحكومات، مع كل أسف، لم يطبق أي برنامج اقتصادي داخلي، وكأن هناك تقاعس في تنفيذهم، بسبب غياب السلوك المؤسسي عند غالبية الحكومات.
أنا من أنصار تجديد الاتفاق الهيكلي مع صندوق النقد الدولي. وبمناسبة بدء المراجعة السادسة مع الصندوق، فإن المنطق يقتضي اليوم السير مباشرة بعد هذه المراجعة بإجراء مباحثات شاملة مع المؤسسة الدولية على برنامج جديد بأولويات تحفيزية وتنموية تتناسب مع تحديات الوضع الراهن. وتوفر مساحات مالية إضافية أمام الخزينة لتلبية نفقاتها التمويلية، خاصة في المشاريع الرأسمالية، وتؤسس للبدء الفوري بعمليات تخفيض تدريجي للدين بكافة أشكاله مع التركيز على تحفيز الاقتصاد ورفع معدلات نموه وطاقاته الإنتاجية والاستثمارية.
الأردن بأمس الحاجة اليوم لتعزيز شبكة علاقاته مع المانحين والمؤسسات العالمية، وعلى رأسها صندوق النقد الدولي، من أجل تحسين تصنيفه الائتماني من جهة، وتعزيز دعم المجتمع الدولي بمختلف أشكاله ومستوياته له في شتى الظروف. فالأردن لا يستغني عن هذا الدعم، والذي كان له دور حاسم ورئيسي في تعزيز استقرار المشهد الداخلي للاقتصاد الوطني.
على الجميع أن يتذكر أن الأردن تعرض لنكسات اقتصادية كان سببها الرئيسي هو التراخي والتراجع في التطبيق السليم والرشيد لبرامج وخطط الإصلاح، خاصة بعد الانتهاء من برامج التصحيح الهيكلي مع الصندوق. والكل يتذكر جيداً أن بعد خروج الأردن من برامج التصحيح سنة 2004 بمؤشرات مالية إيجابية على كافة بنود الموازنة، لم تتمكن الحكومات من الحفاظ على وتيرة الإصلاح لأسباب داخلية وخارجية طارئة دفعتنا للعودة مجدداً لحضن الصندوق بعد تعثر حصول المملكة على التسهيلات المالية لتمويل نفقاتها المختلفة، حتى القروض لم تتمكن الحكومات من الحصول عليها بيسر نتيجة الشروط القاسية التي فرضتها الدول المقرضة على الأردن ورفع درجات المخاطرة. لذلك، فإن العودة للصندوق هي عملية مؤسسية لاستمرار تدفق شريان التعامل الدولي للأردن بتسهيلات مختلفة من المانحين والمؤسسات الدولية التي اطمأنت بأن المملكة تسير وفق برنامج تصحيحي مع الصندوق، وهو يسير بشكل منضبط، وتقوم بمراجعته دورياً.