أخبار الأردن اقتصاديات مغاربيات خليجيات دوليات وفيات جامعات برلمانيات وظائف للأردنيين رياضة أحزاب مقالات مقالات مختارة أسرار ومجالس تبليغات قضائية جاهات واعراس الموقف شهادة مناسبات مجتمع دين ثقافة اخبار خفيفة سياحة الأسرة طقس اليوم

الحبس التنفيذي عقوبة أم وسيلة


المحامية رشا عواد

الحبس التنفيذي عقوبة أم وسيلة

مدار الساعة ـ
كثر الجدل والحديث في الآونة الأخيرة حول حبس المدين ومدى قانونية حبسه ويحظى بأهمية بالغة من الناحيتين النظرية والعملية، حيث عارض بعض الفقهاء مسألة الحبس من وجهة نظر مفادها أن العلاقة بين الدائن والمدين علاقة مالية بين ذمتين؛ يفترض أن يكون المدين مسؤولاً بأمواله لا بشخصه عن سداد الدين خاصة في ظل بروز ما يعرف بالعهد الدولي الخاص بالحقوق السياسية والمدنية وما تضمنه هذا العهد في المادة (11) منه؛ بعدم جواز سجن أي إنسان لمجرد عجزه عن الوفاء بالتزام تعاقدي؛ والاكتفاء بضمان أموال المدين للوفاء بالتزاماته وديونه.
الحبس التنفيذي وسيلة من وسائل التنفيذ الجبري الغاية منها أكراه المدين الذي يخفي أمواله على اظهارها وسداد الدين، علماً بأن اغلب المحكوم عليهم وخصوصاً في الوضع الراهن فعلاً لا يملكون المال لسداد ديونهم نظرا للظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها البلاد، فهل من المعقول ان نضحي بالأغلبية بهدف الضغط على المدين الذي أخفى أمواله!! وهذا ما ينافي العدالة والمنطق وما يتعارض مع المبادئ الأساسية لحقوق الانسان.
قانون التنفيذ الأردني وبعد التعديل لسنة 2022 سمح بحبس المدين 60 يوماً عن كل دين و120 يوماً مهما تعددت الديون في السنة الواحدة، ومنع الحبس في عدة حالات منها:
1/ ما نصت عليه المادة (22) من قانون التنفيذ وفقاً لما يلي:
- حال عرض المحكوم عليه (المدين) تسوية تتناسب ومقدرته المالية خلال مدة الاخطار التنفيذي على ان لا تقل الدفعة الاولى بموجب التسوية عن (15%) من أصل المبلغ المحكوم به.
- إذا اقتنع قاضي التنفيذ ان المحكوم عليه مريض بمرض مؤقت لا يتحمل معه الحبس.
- إذا عجز عن الوفاء بالتزام تعاقدي باستثناء عقود ايجار العقار وعقود العمل، وتسري أحكام هذه الفقرة بعد مرور ثلاث سنوات على تاريخ نفاذ أحكام قانون التنفيذ المعدل.
2/ نصت المادة (23) من قانون التنفيذ على حالات لا يجوز فيها الحبس كما يلي:
أ . لا يجوز الحبس لأي من :
1. موظفي الدولة .
2. من لا يكون مسؤولا بشخصه عن الدين كالوارث من غير واضعي اليد على التركة والولي والوصي .
3. المدين الذين لم يبلغ الثامنة عشرة من عمره والمعتوه والمجنون والمحجور عليه للسفه والغفلة .
4. المدين المفلس أثناء معاملات الإفلاس والمدين المعسر وفقا لأحكام قانون الإعسار والمدين المحجور عليه وفقا لأحكام القانون المدني.
5. الحامل حتى انقضاء ثلاثة أشهر بعد الوضع وام المولود حتى اتمامه السنتين من عمره.
6. الزوجين معا أو إذا كان زوج المدين متوفى أو نزيل أحد مراكز الاصلاح والتأهيل إذا كان لهما ابن يقل عمره عن (15) سنة أو من ذوي الإعاقة.
7. المدين المريض بمرض لا يرجى شفاؤه ولا يتحمل معه الحبس وذلك استنادا الى تقرير لجنة طبية رسمية.
ب. لا يجوز حبس المدين: -
1. إذا كان المحكوم به دينا بين الأزواج أو بين الاصول والفروع أو بين الأخوة ما لم يكن الدين نفقة محكوماً بها.
2. إذا كان الدين موثقاً بتأمين عيني.
3. إذا قل مجموع الدين المنفذ أو المبلغ المحكوم به عن خمسة آلاف دينار ما لم يكن بدل ايجار عقار أو حقوق عمالية.
4. إذا ثبت وجود أموال للمدين كافية لأداء الدين وقابلة للحجز عليها.
3/ كما نصت المادة (24) من قانون التنفيذ على حالات ينقضي فيها الحبس كما يلي:
ينقضي الحبس في الحالات التالية:
أ . إذا انقضى التزام المدين لأي سبب.
ب. إذا رضي الدائن بأن يخلى سبيل المدين ويفقد طلبه بالحبس مرة ثانية خلال السنة نفسها.
ج. إذا صرح المدين بوجود أموال تعود له كافية للوفاء بالدين يدعو الرئيس الفريقين ويسمع أقوالهما فإذا اقتنع بصحة ادعاء المدين يقرر ما يلي: -
1. تأخير الحبس للمدة التي يراها مناسبة.
2. أمر المدين بدفع الدين المحكوم به أقساطا خلال مدة لا تتجاوز ثلاث سنوات مع وضع إشارة الحجز على تلك الأموال.
3. أو اتخاذ أي تدابير احتياطية ومنها منع سفر المدين.
د. إذا تم حبس المدين الحد الأقصى المنصوص عليه في المادة (22) من هذا القانون.
هـ. إذا قدم المدين كفالة مصرفية كافية للوفاء بالدين وملحقاته أو كفيلاً مقتدراً يقبله الرئيس.
وبالرغم من تعديل القانون والنصوص المتعلقه بحبس المدين وما وضعه المشرع من ضوابط وتقييد للحبس الا انه لم يجد بديلاً للحبس أو وسيلة أخرى للضغط على المدين للوفاء بالتزامه وسداد الدين، وهنا تجدر الاشارة الى أن المشرع وفي التعديل الأخير لقانون العقوبات المعدل رقم (27) لسنة (2017) أجاز الحكم بما يسمى (بدائل الاصلاح المجتمعية) كبدائل للعقوبات السالبة للحرية، والتي تلزم المحكوم عليه بأداء عمل غير مدفوع الأجر لخدمة المجتمع لمدة تحددها المحكمة بدلاً من حبسه وحجز حريته في مراكز الاصلاح والتأهيل، كما لها مزايا متعددة تتمثل بتخفيف الأعباء المالية والبشرية عبر تخفيض أعداد النزلاء في مراكز الإصلاح والتأهيل.
فماذا لو تم تعديل قانون التنفيذ واستبدال وسيلة الحبس بتكليف المدين (المحكوم عليه) على أداء عمل مقابل أجر لصالح الجهات الحكومية أو الخاصة بدلاً من توظيف العمالة الوافدة من أصحاب الجنسيات الأجنبية، وارى لهذه الوسيله عدة ميزات منها:
١- يقضي المدين المتعثر حوائجه ويقتطع جزء من أجره لصالح الدين المطلوب منه بدلاً من حبسه وتعطيل القوة البشرية.
٢- توفير خزينة الدولة المصاريف والأعباء المالية والبشرية المترتبة على مراكز الإصلاح والتأهيل المكتظة بالمتعثرين والموقوفين على ذمة قضايا الشيكات والمطالبات المالية بأنواعها
٣- كما تضمن عدم انتقال العدوى الجرمية التي عادة ما تنتقل بين نزلاء مراكز الإصلاح والتأهيل بسبب اختلاطهم سوياً باختلاف طبيعة الأسباب والجرائم المرتكبة التي أدت الى حبسهم في هذه المراكز، حيث ان بقاء المدين الموقوف على ذمة قضايا مالية مع باقي نزلاء مراكز الإصلاح والتأهيل باختلاف أوضاعهم والجرائم المرتكبة من قبلهم التي تتراوح من البسيط الى الشديد في مكان واحد يترك اثاراً سلبية على المتعثرين والموقوفين على ذمة قضايا الشيكات والمطالبات المالية ويسهم في نقل العدوى الجرمية، فإن حبس المدين سوي الخلق والتصرف مع باقي الأشخاص مرتكبي الجرائم المتعددة قد يؤدي لانحراف خلقه وتفكيره وقد يخرج من السجن للمجتمع مجرم جديد متأثراً بسلوكيات وأفكار باقي الموقوفين والنزلاء على القضايا والجرائم المختلفة، والذي سيؤثر بالنتيجة على المجتمع سلباً والى ازدراء المجتمع للمحكوم عليه وعدم تقبله في سوق العمل وما يقود في أغلب الأحوال إلى انعزاله عن المجتمع.
أن العديد من الدول المتقدمة لا تحبس المدين وتتبع أساليب أخرى للضغط عليه لسداد دينه، كما هو الحال فيما يسمى بالإعدام المدني، والتي يفقد فيها المدين أهليته المدنية بالتصرف ويمنع من إجراء أي معاملة أو القيام بأي عمل يمكنه من الاستمرار في أعماله اليومية الضرورية لقضاء احتياجاته بما فيها المعاملات الحكومية والخاصة.
والله من وراء القصد وهو عليه السبيل
مدار الساعة ـ