توجد حالة من الانحراف في الحوار الاقتصادي ضمن المجتمع، وذلك من خلال ما يظهر على صفحات التواصل الاجتماعي أو حتى في بعض وسائل الإعلام التي يفترض أن تكون أكثر عقلانية ومهنية من غيرها.
سقف النقاشات الاقتصادية وصل إلى مستويات عالية على إثر ارتفاع أسعار الدخان، وتوجيه اتهامات للحكومة بهذا الأمر، وأنها يجب عليها أن تخفض الأسعار. بل إنها اتُهِمت بأنها هي من رفعت الأسعار وعليها أن تتدخل في ذلك، وأن تفي بتعهداتها بعدم رفع أسعار السلع، متناسين عن قصد أو سوء قصد بأن الحكومة ليس لها علاقة من قريب، أو من بعيد بتسعيرة الدخان، لأن هذا القرار يخص الشركات، ولا يجوز للحكومة أصلاً أن تتدخل فيه سواء بالتخفيض أو بالرفع، فهو أساسا ليس سلعة من السلع الخاضعة لتسعيرة الحكومة. كل ما على الحكومة هو فقط مقدار الضرائب المفروضة على الدخان مثل أي سلعة بحكم القانون، أما التسعير فهو قرار للشركات فقط، فهو ليس خبزاً ولا ماءً خاضعاً لتسعيرة الدولة.
حتى أموال الضمان الاجتماعي والحوار الذي يحدث بين الفترة والأخرى بشأن عمليات إقراض صندوق استثمار أموال للحكومة من خلال المشاركة في السندات التي يطرحها البنك المركزي لصالح الخزينة، تظهر بعض الأصوات من مختلف الجهات حتى من بعض المسؤولين بأن هذه أموال الشعب الأردني، والحقيقة أن هذا الكلام عار عن الصحة تماماً.
فأموال الضمان هي أموال لمشتركي الضمان فقط، وليس لكافة شعب الأردن كما يحلو للبعض إطلاق تلك العبارات الفضفاضة. مشتركو الضمان عددهم لا يتجاوز 1.44 مليون مشترك، في حين يتجاوز عدد الأردنيين الـ7 ملايين من أصل ما يقارب الـ11 مليونا عدد سكان المملكة.
نفس الأخطاء يقع فيها من يتهم الحكومة بأنها تحقق أرباحاً عالية من بيع المحروقات تذهب لصالح شركة حكومية هي شركة مصفاة البترول التي تحتكر السوق حسب ادعاءات البعض. وهذا أيضاً كلام خاطئ، فشركة مصفاة البترول ليس للحكومة سهم فيها، وهي شركة مساهمة عامة مدرجة في البورصة، ويملك أسهمها أكثر من 43 ألف مساهم، والسوق مفتوح على مصراعيه لكل من يريد أن يزاول إنتاج وتسويق المحروقات. وهناك فعلاً ثلاث شركات تسويقية مختلفة منذ سنوات يملكها مستثمرون محليون وأجانب، ولا يوجد أي شكل من الاحتكار كما يصوره البعض من قبل هذه الشركات. والتسعيرة لها جهة رسمية تحددها وليس للشركات تدخل فيها.
ولا أحد ينسى شكل الحوار العقيم الذي أصاب المجتمع قبل أسابيع فيما يتعلق بتأجيل أقساط البنوك. فالكل إن كان إعلاميا أو نواباً أو فاعليات مجتمع مختلفة كانوا يطالبون الحكومة بتأجيل الأقساط، وكأن الحكومة صاحبة القرار في التأجيل، أو من عدمه، متناسين أن البنوك شركات مساهمة عامة، وأموال المودعين هي التسهيلات التي تمنح في المقابل، ولا يجوز لأي جهة أن تتدخل في شؤون تلك الشركات التي لها مجالس إدارة وهيئات عامة تحدد قراراتها وإستراتيجيات عملها. فلا شأن للحكومة بقرار التأجيل، فهو قرار مصرفي بحت لا يجوز لأي أحد أن يتدخل فيه.
هذه بعض اتجاهات النقاشات والحوارات الاقتصادية الخاطئة التي تحدث في المجتمع، والتي لا تعرف أو لا تريد أن تعرف الحقيقة. فهي تسعى للفوضى وللمجاكرة أكثر من الحوار العقلاني الرشيد.