مدار الساعة - نيفين عبد الهادي - تكاد تقارير قياس مستوى الحريات الصحفية تكرر ذاتها سنويا في الإصرار على أن تصل نتائج استطلاعاتها لتراجع مستوى الحريات في الأردن، الأمر الذي يفرض سؤالا لكل من يصرّ على هذه النتائج ألم يتمكن الأردن من معالجة بعضا التحديات التي تؤدي إلى هذا التراجع؟ ألم يتمكن من تحقيق تقدّم ولو بنقاط بسيطة وهو الدولة التي تفتح سماءها للحوارات والنقد والاستماع للرأي والرأي الآخر، ولم يتم اعتقال أحد.
مهما بحثنا عن وصف لهذه التقارير وللأشخاص الذين يصرّون على تراجع الحرية الصحفية في الأردن لن نجد ما يصفهم، كما لا يمكن الأخذ بما يخرجون به من تقارير ونسب بحسن النية، سيما وأن العينة التي تستهدف في استطلاعاتهم لا تشمل من هم على تماس بالعمل الصحفي ومن يتعاملون مع الصحافة في الميدان، ناهيك عن نوعية الأسئلة التي توجه للعينه وكأنها تضع الأجوبة على ألسنة المتحدثين، بصورة عامة هذه التقارير لا يُمكن الأخذ بها على محمل الواقع وباتت تكرر ذاتها بصورة سلبية.
طالعتنا بالأمس حيث الاحتفال بيوم حرية الصحافة العالمي استطلاعات وآراء ولقاءات حول مستوى الحريات في المملكة، لنجد حالة من التجنّي على الوطن بشكل عام ونتائج تجافي الحقيقة والواقع، سواء كان بما أعلنته من نسب تراجع الحريات، أو في آراء صادرة عن أشخاص بعيدة كل البعد عن الحقيقة، ذلك أنه بحسب البيانات المحفوظة لدى هيئة الاعلام لا توجد شكاوى جرى تسجيلها لدى القضاء من قبل الهيئة بمواجهة أي صحفي منذ بداية العام الحالي، وهذا هو التوجه العام للدولة عموما وللجهات الحكومية المشتبكة مباشرة بملف الاعلام، وهذا يستدعي وجود حالة وطنية من الجميع تحمي حق الأردن في تحقيقه تقدما بالحرية الصحفية، والذي تسلبه منه جهات وأشخاص يرون في الأردن وجبة دسمة لأغراضهم الشخصية ومصالحهم الخاصة.
وفي متابعة خاصة لـ«الدستور» لطبيعة ما يصدر سنويا من تقارير وتصريحات من بعض الشخصيات التي في أغلبها لا ولم تعمل في الصحافة يوما، ولم تطلع على واقع وحقيقة ما يجري في الشارع الصحفي من عمل صحفي ميداني، ولا تعرف شيئا عن طبيعة «عملنا كصحفيين ميدان» لم نواجه يوما أي حدّ للحريات أو انتقاص منها، باستثناءات بسيطة لا تكاد تذكر، أكد خبراء ومختصون أن هذه الحالة التي تكرر ذاتها سنويا من نفس الأشخاص ومن نفس الجهات والمؤسسات في الإصرار على تراجع نسبة الحريات بالأردن لا يمكن التعامل مع كل ما يصدر عنهم بحسن نية، ولا يمكن استبعاد سوء النوايا عن ما يصدر منهم. فيما أكدت الحكومة في متابعتنا على لسان مدير عام هيئة الاعلام بشير المومني أن بيانات تؤكد أنه لا توجد شكاوى جرى تسجيلها لدى القضاء من قبل الهيئة بمواجهة أي صحفي خلال العام الحالي، مبينا أن بعض التقارير تشير الى تقدم الاردن في مجال الحرية وبعضها الآخر يشير الى وجود تراجع مما يضع علامات استفهام على مدى موضوعية بعض هذه التقارير وفيما اذا كانت تستند لأسس معيارية علمية تراعي الفروقات الحضارية، ومع هذا ذلك لا يعني رفض هذه التقارير بالمطلق بل لابد ان تخضع للفحص والدراسة لمعالجة ما يرد فيها. فيما رأى خبراء دوليين أن هذا الجانب بات مصدر رزق للبعض، مما يجعل من تحسين واقع الحرية بالنسبة لهم إغلاق باب رزق لهم ولأعمالهم، ذلك أن هذا الجانب دسم بالدورات التدريبية وورش العمل والمناسبات التي في مجملها تعقد على أساس تدني نسب الحريات، بالتالي فإن الأغراض الشخصية تشوب بعض التقارير وبعض التصريحات الخاصة بالحريات، ذلك أن الاستمرار في التراجع مسألة مستغربة ولا يمكن تصديقها.
دكتور جواد العناني
نائب رئيس الوزراء الأسبق الدكتور جواد العناني قال لا استبعد النوايا السيئة في بعض التقارير التي تعد عن مستوى الحريات في الأردن، ويجب متابعتها وأن لا تصيبنا بحالة من الهوس فما بين الهوس والشك مساحة كبيرة، إذ علينا متابعتها للوقوف على حقيقتها وأهدافها.
وفي موضوع الحريات قال العناني قطعا هناك اختلاف في رؤية الأمور من الداخل كما يراها الأجنبي من الخارج، فالأجنبي نظرته تكون مطلقة وليست نسبية، إذ يحكم علينا بمقاييس دولية وفي ذلك أمر خاطئ، كما أن الحرية في العالم تنظمها قوانين وتطبق هذه القوانين إذ لا يوجد حرية مطلقة وعندما تبدأ حرية الآخر تنتهي حريتنا، لكن البعض يمنح نفسه الحق في الانتقاد لأسباب شخصية.
وأضاف العناني نحن نعترف أن هناك بعض القيود المتفق عليها ولا يجوز المساس بها، ولها سقوف في التعامل معها، لكن بشكل عام نحن في بلد التسامح ولا يوجد قضايا ومتابعات من شخصيات عامة ضد أشخاص رغم الإساءة لهم، كما انه علينا أن ندرك ان الحرية يجب أن يسبقها العلم والبرهان والدليل، وليس مجرد انطباعات عامة تظلم الكثيرين حتى تحول الحرية من حق لامتياز.
بشير المومني
وقال مدير عام هيئة الاعلام بشير المومني في حديثه الخاص لـ»الدستور» يتمتع الأردن بمستوى عالٍ من الحرية بكافة اشكالها بالرغم من المحددات التي فرضتها السياقات التاريخية والثقافية في المنطقة وهو قياساً بغيره من الدول يمكن ان نقول بثقة بأن الأردن يمثل حالة تقدمية في مجال الحريات العامة والخاصة ويتطور بشكل سريع للأفضل وفق مؤشرات الحرية لا سيما أن المنظومة التشريعية ابتداء بالدستور مرورا بالمواثيق والعهود الدولية التي صادق عليها الاردن والتي تعتبر جزء من المنظومة التشريعية الوطنية تسمو على القوانين المحلية والتي اكدت بدورها على ضمان وصون وحماية الحريات الخاصة والعامة للأردنيين قد شكلت بمجموعها بيئة ايجابية تدعم الحرية كقيمة ثابتة وقد تعززت هذه البيئة بمشروع الدولة السياسي بحيث اصبح لدينا رافعة سيوتشريعية يمكن البناء عليها في التقدم للأمام نحو المزيد من المكتسبات لتشكيل نموذج اردني للحرية ثقافة وسلوكاً تحترم القيم الجوهرية والحضارية والهوياتية للدولة.
ولفت المومني إلى أن بعض التقارير تشير الى تقدم الاردن في مجال الحرية وبعضها الآخر يشير الى وجود تراجع مما يضع علامات استفهام على مدى موضوعية بعض هذه التقارير وفيما اذا كانت تستند لأسس معيارية علمية تراعي الفروقات الحضارية وهنا نشير الى ما يمكن للنظام التشريعي والاجتماعي قبوله وتقبله مثل ما يسمى حرية ( مجتمع الميم) وزواج المثليين فهي مرفوضة اجتماعيا او حرية الاساءة للأديان وارباب الشرائع بوصفها اردنيا شكل من اشكال خطاب الكراهية في حين انها لدى الغير تعتبر من اشكال حرية التعبير وذلك يؤثر في التصنيف بوصفه من قبيل اطلاقات الحرية لدى مجتمعات أخرى وعليه فلابد من احترام الفوارق الحضارية والقيمية وبجميع الاحوال فذلك لا يعني رفض هذه التقارير بالمطلق بل لابد ان تخضع للفحص والدراسة لمعالجة ما يرد فيها ويكتنف مسيرة الحرية والقدرة على التعبير بلا معقب في حال وجود ما يوجب ذلك.
وشدد المومني على أنه بحسب البيانات المحفوظة لدى هيئة الاعلام لا توجد شكاوى جرى تسجيلها لدى القضاء من قبل الهيئة بمواجهة أي صحفي منذ بداية العام 2023 وهذا هو التوجه العام للدولة عموما وللجهات الحكومية المشتبكة مباشرة بملف الاعلام خصوصا لا سيما ان هيئة الاعلام يقع على عاتقها كواجب دستوري وقانوني الدفع باتجاهات حرية الاعلام وتنوعه وتعزيز الحرية الاعلامية كثقافة سلوكية ولن تألو الهيئة جهدا في البناء على منظومة الحرية والتنوع الاعلامي لكن هذا الملف النوعي بحاجة لإسناد جمعي وطني وتشاركية خصوصا من مؤسسات المجتمع المدني لمؤسسات الدولة بهذا الملف لا ان تقف فقط موقف المراقب الناقد ولزوم التأشير على التقدم والانجاز متى ما تحقق لإنصاف الذات الأردنية.
دكتور عثمان الطاهات
من جانبه، قال رئيس قسم الصحافة والاعلام الرقمي بجامعة الزرقاء أن المتابع للمشهد الإعلامي يرى بوضوح وجود تقدّم في مستوى الحريات تحديدا إذا ما قارنا الوضع مع دول المنطقة نحن متقدمين جدا في هذا المضمار، وفيما يتعلق بالحريات على مواقع التواصل الاجتماعي والمنصات الرقمية نرى حجم الحرية العالي، إضافة إلى كوننا نحن العاملين في الميدان لم نواجه يوما بمنع مادة أو اتصال بأن لا نكتب عن موضوع معين، وهناك سقف عالي من الحرية نتعامل به على مدى سنوات من العمل الصحفي.
وأكد الطاهات على أن معدي تقارير الحريات الصحفية عن الأردن واصرارهم الدائم بوجود تراجع بها ربما يحدث ذلك لغاية في نفس يعقوب، ذلك أننا وبكل موضوعية لدينا قوانين متقدمة جدا قوانين، ولدينا وسائل متقدمة للحصول على المعلومة والتواصل مع المسؤولين وصناع القرار، ولم يحدث يوما أن منعت عنا المعلومات، فضلا للمساحة الممنوحة للنشطاء على وسائل التواصل الاجتماعي من حرية مطلقة مما يعكس حالة سلبية على هذه التقارير التي تجافي نتائجها الواقع.
ومن الناحية العلمية قال الطاهات وهو الخبير في البحث العلمي هناك استطلاعات الرأي تتم بطرق غير علمية، فقد يكون السؤال خبيث ولا يعبر عن وجهة نظر العينة ويكون السؤال ملغوم وهذه من أحد الأمور التي تجعل من هذه الاستطلاعات غير صحيحة، وغير موضوعية.
إضافة إلى العينة فهل العينة تمثل مجتمع الدراسة، أيضا هذا الجانب يضع هذه التقارير والاستطلاعات في مكان عدم الثقة، فموضوع العينة مسألة مهمة جدا ويبدو أن هذه الجهات تستهدف عينات غير موضوعيين وبعيدين عن الجسم الصحفي الذي يمارس الصحافة على أرض الواقع ويتعامل مع الحرية ولا يواجه بشأنها أي إشكاليات، ومن الواضح أن بها خلل، إضافة إلى ضرورة تغيير عينات السؤال فمن غير المنطق اختيار نفس العينة في كل مرة تعد بها الاستطلاعات وهذا ما يحدث عند بعد المراكز.
ولفت الطاهات إلى وجود خطأ في المعالجة الإحصائية وغلط اختيار نوعية العينة حتى البحث العلمي يوجد به خلل، ذلك أنه لا يوجد صحفيين اعتقلوا ولو حدث يكون بحدود دنيا، مما يجعل من هذه التقارير تعد لغاية في نفس يعقوب!!!.
زهير عبد القادر
الخبير الإعلامي الدولي زهير عبد القادر قال للأسف أن معظم هذه التقارير وحتى التعامل مع ملف الحريات الصحفية بات مصدر رزق للبعض، وللأسف يتم التعامل معه لكسب المال من المنظمات الدولية، لذا فان تقاريرها تصر على وجود تراجع في نسب حرية الصحافة بالأردن لبقاء مصدر دخل لهذه الجهات.
وبين عبد القادر أن حسم موضوع الحرية الصحفية لجهة تحسنها وارتفاع نسبتها سيفلق باب الفائدة المالية لبعض الأشخاص والمؤسسات، فيتوقف الدعم وتتوقف الدورات التدريبية وورش العمل، للأسف أن هذا الجانب بات يتم التعامل معه على هذا النحو من بعض الأشخاص والمؤسسات المعنية بالإعلام والحريات الصحفية.
ونبّه عبد القادر لضرورة أن تكون الحرية مسؤولية، لافتا إلى أنه عمل في مؤسسات إعلامية عالمية وكانت هناك دوما أسس لحرية مسؤولة، فهناك فرق بين الحرية والفوضى والاعلام المسؤول والفوضى، فلا بد من أن تكون الحرية مسؤولة لكن للأسف المشكلة أن بعض الأشخاص يرون في الفوضى حرية ويطالبون بها، لأغراض شخصية ولكسب المال بشكل بات سلبيا بشكل كبير، ويجب التعامل مع ذلك بروح الشراكة من قبل الصحفيين الحقيقين وممن يتعاملون مع العمل الصحفي في الميدان ويرون على أرض الواقع ممارسة الحريات، دون ذلك فكل ما يتم تداوله عار عن الصحة وهدفه جني الأموال.الدستور