دائماً ما يكون خطاب الجمع هو الأقرب لوصف الحالة الّتي يمرّ بها الاقتصاد الأردنيّ بإطلاق أوصاف سوداويّة شاملة عليه دون التطرّق لحقيقة تلك المشاكل والاعتراف بها.
فالغالبيّة لا تفرّق في الاقتصاد ما بين اقتصاد القطاع العامّ ونظيره القطاع الخاصّ، وهناك تمايز وتباين واضح في أداء الاثنين، ولا يمكن لنا أن نجمعهما مع بعض، ونحكم عليهما بنفس الأوصاف والصفات، فما يعانيه القطاع العامّ ليس مشابهاً لما يعانيه القطاع الخاصّ.
ولنكن أكثر تحديداً في ذلك، فمشاكل الاقتصاد الوطنيّ تكمن في مشاكل القطاع العامّ والخزينة الّتي هي مسؤوليّة الحكومة مباشرة.
فالمشاكل والتحدّيات واضحة للعيان، وهي باتت مزمنة ومقلقة ولا أحد ينكرها: من عجز ومديونيّة عاليتين، وإنفاق رسميّ غير منتج متزايد من عام لآخر، وترهّل إداريّ وتراجع في إنتاجيّة الموظّفين وخدمات القطاع العامّ، وانتشار الواسطات والمحسوبيّات والتدخّلات المختلفة في شؤونه وقراراته، وعدم وجود آليّات للتقييم والمحاسبة وفقاً لمعايير الأداء وجودة العمل وغيرها من عشرات المشاكل المزمنة الّتي باتت عبئاً ثقيلاً على الاقتصاد الوطنيّ، وتستنزف كلّ موارده المحدودة أصلاً.
بالمقابل، هناك قطاع خاصّ يستحوذ على أكثر من 55 % من الناتج المحلّيّ الإجماليّ، وهو المشغل الأساسيّ للعمالة بأكثر من مليون عامل تقريباً، وهو المصدر الرئيسيّ لكلّ السلع والخدمات والمصدر الأساسيّ لجذب العملات الصعبة والمؤشّر التنمويّ الحقيقيّ من خلال تواجده في كلّ محافظات المملكة والجاذب للتكنولوجيا.
القطاع الخاصّ بقطاعاته المتعدّدة هو قطاع ناجح بكلّ المقاييس رغم كلّ التحدّيات الّتي يواجهها، والّتي يكون مصدرها الرئيس الحكومة وأجهزتها الإداريّة المختلفة. فكلّ المشاكل الّتي يعاني منها القطاع الخاصّ هي وليدة سلوكيّات حكوميّة على مختلف المستويات الّتي تسبّبت في النهاية في إعاقة تقدّمه وتوسّعه. ومع ذلك بقي القطاع الخاصّ صامداً ومتجاوزاً لهذه التحدّيات والإشكاليّات، والّتي باتت جزءاً أساسيّاً من فكره وسلوكه اليوميّ مع كلّ أسف.
فبدلاً من أن يفكّر في كيفيّة التطوير والتوسّع الإنتاجيّ بشكل مستمرّ وأساسيّ، تستحوذ عليه هذه المشاكل الّتي وضعها القطاع العامّ عليه من بيروقراطيّات وسوء تعامل وتفسير للقوانين والأنظمة، وتعقيدات مختلفة في كيفيّة تجاوزها والخروج بأقلّ الخسائر والأضرار. ومع ذلك ينمو ويحقّق نجاحات مميّزة، فغالبيّة الشركات تحقّق أرباحاً وبنسب متفاوتة ما بين الكبيرة جدّاً وما بين القريبة من المستوى الّذي يسمح باستمرار عملها وإنتاجها.
نعم، الحقيقة الّتي لا يريد أحد أن يعترف بها هي أنّ مشاكل الاقتصاد تكمن في القطاع العامّ والخزينة، وأنّ القطاع الخاصّ تحمل ويتحمّل ما جعله هو الآخر يتعرّض لأزمات انتقلت إليه بفعل تداخلات رسميّة وغير رسميّة في شؤونه مثل التعيينات على سبيل المثال لا الحصر. فالغالبيّة العظمى من الشركات لديها كادر بشريّ يفوق احتياجاتها بشكل كبير، وقد يصل لأكثر من 30 % من احتياجاتها الفعليّة، وهذه إمّا نتيجة عمليّات طويلة من التدخّلات الممنهجة من قوى مختلفة أدّت لتعيينات كبيرة. وكأنّ الحال يقول لديهم إنّه بما أنّ القطاع العامّ لم يعد قادراً على مواصلة التعيين بعد أن وصل لهذا الحجم الكبير والمكلّف والمستنزف، فلينتقل الأمر الآن للقطاع الخاصّ، وهكذا مع كلّ أسف.
للأسف، منذ سنوات قليلة بدأت عمليّات نقل مشاكل القطاع العامّ إلى القطاع الخاصّ، وهي بفعل فاعل وعن قصد ممنهج من قبل فعاليّات مجتمعيّة مختلفة. وما حملات التشويه لصورة القطاع الخاصّ على صفحات التواصل الاجتماعيّ إلّا إحدى هذه الوسائل الّتي تسمح لتلك القوى بالتسلّل إليه. اتركوا القطاع الخاصّ يعمل وحده، فهو الحامي للاقتصاد الوطنيّ وحامل عبء القطاع العامّ، فاتركوه.