فرق كبير بين مشكلة تتنزل عليك دون سابق موعد، ولا تعرف كيف تتعامل معها، ومشكلة تقوم أنت شخصيا بصناعتها، ثم المعاناة بسببها، والبحث عن تفسيرات مختلفة لتبرير وجودها.
تذكرت هذا الكلام وأنا أقرأ، أستمع، لمنطوق رسمي يقول إن عدد العاطلين عن العمل في الأردن يصل إلى قرابة 450 ألف عاطل عن العمل، أكثر من نصفهم لا يحمل الثانوية العامة، وأنّ من أسباب البطالة، تتمثل بالاعتماد على العمالة الوافدة، هذا في الوقت الذي توجد فيه تعهدات حكومية بتوفير مليون وظيفة خلال 10 سنوات، وفقا لما جاء في رؤية التحديث الاقتصادي.
هذا المنطوق الذي ورد على لسان وزير العمل، يوم أمس السبت، قابل للجدل والنقاش، لأن عدد العاطلين عن العمل أعلى بكثير من الرقم الذي أعلنه الوزير، كما أن الوزير تجنب بطبيعة الحال الكلام عن الجدوى الاقتصادية للوظائف القائمة في ظل الأجور المتدنية جدا، والتي يتراوح أغلبها بين 200 و 300 دينار، وكأن الناس لا يعملون أساسا، إضافة إلى أن الحلول المطروحة من خلال تصنيع الوظائف في القطاع الخاص، بحاجة الى وقفة تأمل.
الوزير يعرف جيدا أن هناك مئات آلاف الوظائف، في الأردن، يأخذها أشقاء عرب، ولا يسيء احد لهم، ويكفي ان تقوم بجولة في عمان، لتكتشف ان عامل محطة الوقود من الأشقاء اليمنيين، وعامل البناء من الأشقاء المصريين، وموظف المطعم من الأشقاء السوريين، وهؤلاء منا ونحن منهم، والأمر يمتد إلى كل هذه الأعداد في كل مكان، بعد أن تحول الأردن إلى مصب سكاني، بسبب أزمات الأشقاء، وغيرهم، دون أي مراعاة لحسابات البنية الاقتصادية والاجتماعية الأردنية، التي يتوجب أن تكون أولا في حسابات المسؤولين دون أن تكون القصة تعبيرا عن كراهية الشقيق، لا سمح الله، أو إشعالا لموجة غضب ضد أحد في هذه البلاد، إذ أن أبناءنا يعملون أيضا في دول عربية، ولا نقبل التحريض عليهم، أو نقد وجودهم أيضا.
هناك خلل كبير، تتفرج كل الحكومات المتعاقبة عليه، خلل في سوق العمل، وفي رواتب الحد الأدنى من الأجور، وفي أولويات التشغيل، وفي الاعتقاد أن الأردني لا يقبل أي وظيفة، إضافة إلى الخلل والظلم، في عدد ساعات العمل، وحقوق العاملين، إضافة إلى حالة الإرهاق التي تطغى على القطاع الخاص، بسبب السياسات الحكومية المتوالية، وفرض الضرائب والرسوم، وارتفاع كلف الإنتاج، مما يشل قدرات القطاع الخاص، أصلا، ويمنعه من توليد الوظائف.
هذا يعيدنا الى بداية الكلام، فتوفير مليون وظيفة خلال 10 سنوات، عنوان جميل، لا يتم إثباته بأي خطة، أو توجه، أو كيفية، وكأننا نهرب إلى وعود المستقبل، للخلاص من الواقع الراهن.
أول معالجة يتوجب اللجوء اليها، للتخفيف من البطالة اعادة تنظيم سوق العمل، وأنا أدرك أن هناك عراقيل كثيرة، من علاقات الأردن العربية، الى استحالة الضغط على شعوب غادرت بلادها بسبب أزمات دموية، وصولا الى المخاوف من ملفات حقوق العمالة الوافدة، وحقوق الانسان وغير ذلك، وما يمكن قوله هنا أننا بحاجة الى مقاربة فاعلة، تراعي كل هذه العوامل، لكن تمنح الأردنيين الأولوية الأولى، في الوظائف، وهذا أمر نراه من خلال سياسات التوطين في اغلب الدول العربية النفطية، التي تعمل ليل نهار لإحلال أبناء تلك الدول في الوظائف.
هذه ليست انعزالية، فأنت نهاية المطاف ليس دولة عظمى قادرة على إدامة هذه الاختلالات، خصوصا، أن الأرقام الرسمية حول العاطلين عن العمل، تخفي الأعداد الحقيقية، ولا تتحدث عن زيادة عدد المواليد كل عام، ولا عن دفعات خريجي الجامعات والكليات كل أربعة أشهر، بحيث تنضم كل هذه الأعداد إلى العاطلين عن العمل بما يعنيه ذلك من تأثيرات خطيرة.
الخلاصة أننا نحن الذين صنعنا مشكلة العاطلين عن العمل، على مدى سنوات طويلة من سوء التخطيط، وعدم التنبه لكل ما هو محتمل، وترك الداخل للمفاجآت، والتغيرات غير المحسوبة.
لقد تعبنا من تشخيص الأزمات، ونريد الحلول فقط أيها الكرام.