يبدو أن الحرب الروسية الأوكرانية ستؤثر تأثيراً جيوإستراتيجياً على العالم، فبعد تعليق روسيا مشاركتها في معاهدة «نيو ستارت » مع الولايات المتحدة للحد من الأسلحة النووية, وهي تعني تخلي روسيا عن مراقبة أنشطتها النووية وإنتاجها من الرؤوس النووية من قبل الدولة الموقعة معها على هذا الأتفاق, والذي وقعه الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما مع نظيره الروسي ديمتري ميدفيدف عام 2010, وذلك بتحديد سقف أعلى لإمتلاك كل منهما العدد المطلوب من السلاح النووي, حيث تنص المعاهدة على إمتلاك كل منهما 1550 رأساً نووياً إستراتيجياً ف? حده الأعلى (في الغواصات والقاذفات الجوية الإستراتيجية) و700 رأس نووي في قواعد أرضية، مع إمتلاك 800 منصة ثابتة وغير ثابتة لإطلاق صواريخ نووية, مما يعني أن النية الروسية تتجه لزيادة مخزونها من خلال تصنيع ترسانة نووية تجعلها في مقدمة العالم بالردع النووي، وذلك لردع الدول الغربية التي تدعم أوكرانيا وخصوصاً إذا تحولت الحرب- الروسية الأوكرانية إلى حرب شاملة طويلة الأمد ليدخل الناتو وحلفاؤه في حرب ومواجهة حقيقية ضد الروس،حيث تمتلك روسيا والولايات المتحدة 90% من السلاح النووي العالمي، الذي قُدِّر مطلع هذا العام م? قبل التسع دول التي تمتلك هذا السلاح مجتمعة 9576 رأساً نووياً جاهزة للإستخدام, بعد أن تم عزل 2936 رأساً نووياً بإنتظار التفكيك لتجاوزهن العمر الإفتراضي, وتبلغ قوة السلاح النووي الآن أكثر من 135 ألف قنبلة نووية كتلك التي أُلقيت على هيروشيما.
إن الإجراء الروسي بتعليق مشاركته في معاهدة » نيو ستارت » مع الولايات المتحدة لم يُعجب الأخيرة حيث أرادت من روسيا إما الإنسحاب أو الرجوع إلى الإتفاقية, لذلك قررت الولايات المتحدة أن تضم لها الأسلحة النووية الخاصة بحلف الناتو وهي الموجودة في كل من بريطانيا وفرنسا والتي تقدر مجموعها 600 رأس نووي تقريباً.
ماذا يعني هذا القرار؟ ولا سيما أن هذا العدد لا يُقارن مع الترسانة النووية لكل من الولايات المتحدة وروسيا مع زيادة قليلة لصالح روسيا في هذه الترسانة.
للإجابة على هذا السؤال، دعونا نعود إلى مُعاهدة » نيوستارت» بين الولايات المتحدة وروسيا، هذه المُعاهدة ثنائية بينهما تتعلق فقط بسقف الأعداد ولا تنُص على الإنتشار للأسلحة النووية، وحيث أن حلف الناتو يدعم أوكرانيا في حربها ضد روسيا، فإن إجراء الولايات المتحدة هو ضم السلاح النووي الخاص ببريطانيا وفرنسا لإعادة إنتشاره في أوروبا كون فرنسا وبريطانيا غير معنيتين بمعاهدات أو إتفاقيات لنشر الأسلحة النووية ويعتبرون أن جميع دول حلف الناتو هي مُتاحة لنشر الرؤوس النووية على أراضيها، وهذا الإنتشار سيُشكل خطراً على روسيا ?خصوصاً إذا تم نشر السلاح النووي الفرنسي والبريطاني على الأراضي الفنلندية وعلى الحدود مع روسيا والتي تُقدر ب1300 كلم، بعد إنضام فنلندا لحلف الناتو مؤخراً.
إن هذا الإجراء من قبل الولايات لمتحدة بإعادة إنتشار السلاح النووي لحلف الناتو على الأراضي الفنلندية سيدفع روسيا إلى إعادة نشر أسلحتها النووية في العالم من خلال حلفائها وذلك بنصب صواريخ باليستية متوسطة المدى (Medium Range Ballistic Missile (MRBM))بالقرب من الولايات المتحدة على أراضي أمريكيا الوسطى أو أمريكيا الجنوبية وبالتحديد على أراضي دول حليفة لروسيا مثل كوبا والبرازيل وفنزويلا ونيكاراغوا وغيرهم,لعمل تهديد حقيقي ومباشر للولايات المتحدة, والتي ستعيدنا للوراء إلى تشرين الأول من عام 1962 وأثناء الحرب البارد? بين الإتحاد السوفيتي سابقاً والولايات المتحدة عندما قرر الإتحاد السوفيتي نشر صواريخ نووية متوسطة المدى في كوبا رداً على نشر أمريكيا 100 رأس نووي في أوروبا لتهديد موسكو, والتي عرفت بأزمة الصواريخ الكوبية (تسمى في روسيا بأزمة الكاريبي). في الختام أصبح العالم مهدداً بالزوال في أي لحظة, نتيجة لإعادة إنتشار السلاح الفتاك، إضافة إلى زيادة التوترات العسكرية بين الدول العظمى, وأصبح التهديد النووي واضحاً ومباشراً نسمعه كل يوم في الأخبار, فالخوف أن يتم إختراق المنظومات النووية بهجمات سيبرانية بعد نشرها في دول عدة, ?يتم إطلاق أحدى الرؤوس النووية الموجهه بإتجاه الطرف الآخر, لتكون بداية حرب نووية عالمية تُدمر كوكبنا, فالأولى أن يتم نشر أجهزة لمراقبة التغير المناخي والإحترار العالمي للسيطرة على درجة حرارة الأرض التي سترتفع 1.5 درجة بحلول عام 2026 حسب تحذير المنظمة العالمية للأرصاد الجوية العام الماضي, لتصبح تأثيرات المناخ ضارة بشكل متزايد على كافة الكائنات.