مدار الساعة - سيف الدين صوالحه- بدأ الأردن جني ثمار هندسته لمساره الاستثماري ويمضي بإيجابية، مستندا إلى عديد الروافع سواء كانت تشريعية توجت بقانون البيئة الاستثمارية الجديد أو إدارية من خلال وزارة معنية بمجمل المنظومة الاستثمارية.
وفي زمن قريب جدا، عكف الأردن وبتوجيهات من جلالة الملك عبدالله الثاني، على هندسة منظومة الاستثمار لديه ليكون قادرا على منافسة المحيطين، من خلال تطويع كل الأدوات التي تسهم في تعزيز بيئة الأعمال باعتبارها ركنا أساسيا باستقطاب الاستثمارات وتحقيق النمو الاقتصادي، وتوليد فرص العمل.
ويتكئ الأردن بالاستثمار على قواعد تدعم هذه الممكنات، بمقدمتها قيادة حكيمة، وأمن واستقرار سياسي ونقدي، وموقع استراتيجي، واقتصاد حر مفتوح، وسهولة الوصول إلى الأسواق العالمية من خلال اتفاقيات تجارية متعددة، وقوى بشرية متعلمة ومؤهلة، وشبكة اتصالات متطورة، وفرص زاخرة بمختلف القطاعات.
وينظر رئيس جمعية مستثمري شرق عمان الصناعية الدكتور إياد أبو حلتم بإيجابية كبيرة إلى الأرقام التي حققها الاستثمار بالمملكة خلال الربع الأول من العام الحالي، وتزايد ثقة المستثمرين بالأردن وما يقدمه من مزايا وحوافز.
وأكد أن قانون البيئة الاستثمارية الجديد خطوة بالاتجاه الصحيح لجهة التركيز على الدور الحيوي لوزارة الاستثمار ومنحها صلاحيات اكثر وكذلك لمجلس الاستثمار، بالإضافة أن الحوافز تركز على جوانب محددة تنموية لتوليد فرص عمل وتوطين التكنولوجيا.
وقال أبو حلتم "الأرقام التي تحققت جيدة، وتتجاوز البطء الذي رافق جائحة فيروس كورونا"، مؤكدا أن جلالة الملك يركز دائما على الجانب العملي، ويوجه باستمرار لتذليل العقبات أمام المستثمرين.
وأضاف "لدينا شوط كبير لنقطعه للوصول إلى أرقام طموحة"، مؤكدا ضرورة العمل بشكل حثيث لمنافسة دول الإقليم لاستقطاب استثمارات نوعية.
ولفت إلى أن التشريعات مهمة للبيئة الاستثمارية، لكن الأساس يبقي محصورا بخطط واضحة للاستثمار، وإعطاء المستثمرين ميزات سواء من خلال السوق والكلف والموارد البشرية والمواد الخام، وتسهيل معاملاتهم وحوسبتها.
وأشار أبو حلتم إلى أهمية الاستثمارات الصناعية، لا سيما أن 57 بالمئة من الاستثمارات التي جرى استقطابها هي صناعية، بقيمة بلغت نحو 166 مليون دينار، مشددا على ضرورة أن يكون في الأردن مرصد استثماري يوفر قاعدة بيانات دينامكية عن كل المعطيات الإحصائية الحديثة عن المشروعات، ويوجه نحو الاستثمارات المطلوبة.
واليوم تقف البلاد على عتبة جديدة للإنطلاق بقطف ثمار العمل الجاد الذي أسست له مختلف مؤسساته الدولة لصياغة آفق أكثر وضوحا، وأكثر نضجا بخصوص منظومته الاستثمارية، بعد تحييد الإجراءات المعيقة للاستثمار، وتوفير بيئة سهلة وميسرة وصديقة لأصحاب الأعمال والمستثمرين المحليين والعرب والأجانب.
بواكير النجاح بدأت تظهر من خلال ارتفاع حجم الاستثمارات الكلية المستفيدة من قانون البيئة الاستثمارية خلال الربع الأول من العام الحالي بنسبة 49.1 بالمئة، ليبلغ 288 مليون دينار، مقابل نحو 194 مليون دينار للفترة نفسها من العام الماضي.
وبلغ عدد المشروعات المستفيدة من القانون 91 مشروعا استثماريا، بحجم عمالة متوقعة بحسب الدراسات المقدمة من قبل المستثمرين ستصل الى نحو 3 آلاف فرصة عمل.
إن ارتفاع حجم الاستثمارات الكلية المستفيدة من قانون البيئة الاستثمارية الجديد، يعكس تعمق ثقة المستثمرين في بيئة الاستثمار بالمملكة، ويؤكد أن الأردن يملك مقومات استثمارية جاذبة للاستثمار والمستثمرين.
هذه الأرقام التي أعلنت، تزامنت مع تأكيدات جلالة الملك بأهمية تعزيز البيئة الجاذبة للاستثمار في الأردن باعتباره عنصرا مهما في النمو الاقتصادي وإيجاد فرص العمل، وضرورة مواصلة تطوير الإجراءات وتسهيلها، وتعزيز التكاملية بين مختلف الوزارات والمؤسسات المعنية.
ويدفع جلالة الملك باستمرار نحو قدرة الأردن على صنع المستقبل المشرق الذي نريد، لذلك جاءت رؤية التحديث الاقتصادي لاستيعاب تحدي توفير مليون فرصة عمل جديدة للأردنيين خلال العقد المقبل من خلال تحديد محركات التشغيل والنمو الاقتصادي.
ويحتاج الاقتصاد الوطني الذي يعاني صعوبات كثيرة بفعل ظروف استثنائية محلية وإقليمية ودولية، إلى ضخ واستقطاب استثمارات نوعية ذات قيمة مضافة تمكن المملكة من تجاوز تحديات البطالة والفقر والمضي نحو المستقبل المنشود، من خلال تشاركية حقيقية بين القطاعين العام والخاص.
ويتطلب تحقيق ذلك استقطاب استثمارات وتمويل بنحو 41 مليار دينار على مدى السنوات العشر، إذ يتوقع أن يجري استقطاب الغالبية العظمى من هذه الاستثمارات من القطاع الخاص بما في ذلك الاستثمار الأجنبي المباشر ومشاريع الشراكة بين القطاعين العام والخاص.
وتسعى وزارة الاستثمار لتمكين الاستثمارات القائمة وتشجيعها على التوسع، إضافة إلى جذب الاستثمارات الجديدة، وفي العديد من القطاعات المستهدفة التي تتواءم مع مخرجات رؤية التحديث الاقتصادي.
والقطاعات المستهدفة هي: تكنولوجيا المعلومات، والسياحة، والسياحة العلاجية، والصناعات الدوائية، والعلوم الحياتية، وخدمات الرعاية الصحية، والصناعات الغذائية، والملابس والمنسوجات، والزراعة، والخدمات اللوجستية، والكيماويات، والأسمدة، وصناعة الأفلام.
وحسب البرنامج التنفيذي لرؤية التحديث الاقتصادي، ستبدأ الحكومة بإعداد وتنفيذ مشروعات كبرى ومشاريع شراكة بين القطاعين العام والخاص، بقيمة 10.470 مليار دينار إلى جانب مبادرات للنهوض بقطاع الاستثمار، ما يؤسس للمساهمة في الوصول إلى مستهدفات رؤية التحديث الاقتصادي لعام 2033 الخاصة بالنمو وتوفير فرص العمل والاستثمار.
وأنجزت المملكة العديد من الممكنات التي تدعم تنفيذ رؤيته الجديدة بمجال الاستثمار، ومن أبرزها: إقرار قانون البيئة الاستثمارية الذي تضمن منح حوافز وإعفاءات ومزايا للمستثمرين ضمن أسس ومتطلبات محددة، وتوفير بيئة داعمة للاستثمارات القائمة وتهيئة الظروف للاستثمارات الجديدة.
وينص القانون على مساواة المستثمر الأجنبي بالمستثمر الأردني، وحماية الاستثمارات، وحرية تحويل الأموال، وضمانات وحوافز تشجيعية مرتبطة بالقيمة المضافة للاستثمار (النمو الاقتصادي وتوفير فرص العمل والتصدير ونقل المعرفة والتكنولوجيا).
ونص القانون على رقمنة وأتمتة الإجراءات والخدمات لتخطي المعوقات الإدارية والإجرائية وتشجيع الاستثمار في المشروعات الاستراتيجية والريادية والابتكار والبحث والتطوير وتهيئة البيئة المناسبة لتنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة.
كما جرى إقرار نظام تنظيم البيئة الاستثمارية الذي جاء تنفيذاً لأحكام قانون البيئة الاستثمارية، وللرؤية الملكية السامية للتحديث الاقتصادي، من حيث التوسع في الأنشطة الاقتصادية التي تستفيد من الخدمة الاستثمارية الشاملة، حيث تضمن 18 نظاماً دمجت في نظام واحد تسهيلاً على المستثمرين، ويبيِّن النظام إجراءات وآليَّة تقديم الطلبات للاستفادة من الخدمات التي تُقدَّم من خلال الخدمة الاستثمارية الشاملة.
ومن الممكنات التي عمل عليها الأردن لتجويد بيئة الأعمال وتحسينها، إعادة هيكلة وزارة الاستثمار وتطوير قدراتها الفنية ورقمنة خدماتها بما يتوافق مع قانون تنظيم البيئة الاستثمارية الجديد، والتي جاءت ضمن البرنامج التنفيذي لخريطة طريق تحديث القطاع العام.
وحسب قانون البيئة الاستثمارية تعد الوزارة المرجعية الرئيسة للاستثمار في الأردن، وتهدف إلى استقطاب الاستثمار وتشجيعه وترويجه وضمان ديمومة المناخ الاستثماري الجاذب وتعزيز الثقة بالبيئة الاستثمارية وتنميتها وتنظيمها، إلى جانب تقديم الخدمة الاستثمارية الشاملة لتراخيص الأنشطة الاقتصادية من خلال منصة إلكترونية مشتركة مع الجهات المسؤولة عن التسجيل والترخيص.
كما أطلقت وزارة الاستثمار الحزمة الأولى من الخدمات الاستثمارية الإلكترونية الشاملة المتعلقة بتراخيص الأنشطة الاقتصادية، كما نص عليها قانون البيئة الاستثمارية لسنة 2022 والنظام الصادر بموجبه لسنة 2023 وبالتعاون مع وزارة الاقتصاد الرقمي والريادة.
وجاء إطلاق الخدمة ضمن مشروع أتمتة خدمات الوزارة، بهدف التيسير على المستثمرين وتبسيط الإجراءات وميكنة الخدمات لضمان سرعة إنجازها، وبما ينعكس على مستوى الخدمات المقدمة لهم.
وشملت الخدمات التي أطلقت عمليات التسجيل والترخيص وبطاقة المستثمر والحوافز والإعفاءات والمناطق التنموية والحرة وخدمات الإقامة والتأشيرات ومنح الجنسية وخدمة طلب تظلُّم للجنة التظلمات المشكلة في وزارة الاستثمار.
وتعكف الوزارة حاليا على العمل لإطلاق منصة الاستثمار قريبا، متضمنة معلومات شاملة عن الفرص والإمكانات المتوفرة في القطاعات ذات الأولوية.
خلاصة القول: يسير الأردن اليوم بالطريق الصحيح فيما يخص جني منافع إعادة هندسة بيئة الاستثمار بالمملكة، لكنه يواجه منافسة كبيرة من دول المنطقة بخصوص استقطاب استثمارات نوعية ذات قيمة مضافة عالية وبخاصة الصناعية منها، لذلك لا بد من مواصلة الجهد وإنجاز كل الملفات المطلوبة بتشاركية كاملة بين القطاعين.
--(بترا)