من يصدّق أنّ دولة مثل الأردنّ تعتبر من أفقر عشر دول في العالم بالمياه، تشهد ظاهرة مقلقة تتمثّل في الاعتداء على شبكات المياه من قبل “هوامير” يبيعونها للمواطنين والقطاع الخاصّ بأسعار كبيرة، ويجنون دخلاً بملايين الدنانير رغم كلّ محاولات الرقابة والجولات المكّوكيّة الّتي تقوم بها الوزارة ومؤسّسات المياه المعنيّة.
بعض الأرقام قد تصيب القارئ بالصدمة إذا ما علمنا أنّ آخر ثماني سنوات تقريباً، تجاوزت حالات الاعتداء على شبكات المياه في مختلف محافظات المملكة أكثر من 60 ألف حالة. هذه المخالفات توزّعت بين حفر آبار مخالفة، وسرقة مياه من السدود وخطوط المياه الرئيسة والفرعيّة، وهناك أكثر من 300 قضيّة اعتداء منظورة أمام المحاكم منذ سنوات بانتظار الحكم فيها.
الأمر لا يقتصر على المياه فقط، فمن يسرق المياه يسرق الكهرباء أيضاً. فبيان هيئة الطاقة والمعادن الّذي أصدرته الأسبوع الماضي كشف النقاب عن أنّ كوادرها تمكّنت من خلال جولاتها التفتيشيّة ضبط (5980) حالة استجرار غير مشروع للطاقة الكهربائيّة للربع الأوّل من العام الحاليّ وبزيادة بلغت 26 % عن نفس الفترة من العام الماضي.
أرقام صادمة للجميع، والأغرب من ذلك كلّه هو حالات الزيادة في نسبها وإعدادها بشكل مطلق من عام لآخر وهو ما يثير الاستغراب والدهشة. سرقة الكهرباء لا تختلف كثيراً عن سرقة المياه، فالأمر سيّان، والأموال الفاقدة على الخزينة تفوق قيمة كلّ عائدات التحصيلات والقرارات الّتي اتّخذت خلال السنوات الماضية، والّتي تهدف إلى زيادة إيرادات الدولة من قطاعات معيّنة. فأرقام سرقات المياه والكهرباء وحسب مصادر مطّلعة تتحدّث عن بعض مئات الملايين من الدنانير الّتي تذهب لصالح السارقين والمعتدين على شبكتي المياه والكهرباء على حدّ سواء.
للأسف أن تجد البعض يبرّر تلك السرقات، ويشرعنها بسبب الظروف المعيشيّة للمواطنين وارتفاع الأسعار وما إلى ذلك من حجج واهية بتبرير تلك السرقات والأعمال غير المشروعة، رغم أنّ غالبيّة سارقي المياه والكهرباء هم أصحاب مصالح وأوساط أموال، لا بل إنّ بعضهم تدور حوله شبهات التجارة بالممنوعات.
حتّى يومنا هذا لم نسمع عن حبس من اعتدى على شبكات المياه والكهرباء، ولا توجد حالات محدّدة نستطيع أن نضع أصابعنا عليها، رغم كشف آلاف الحالات. وعلى ما يبدو أنّ العقوبات المنصوص عليها أو الإجراءات المتّخذة من قبل أجهزة الدولة المختلفة غير رادعة، والأمر يحتاج إلى حزم أكبر وتنسيق أعلى بين وزارة المياه ومؤسّساتها وهيئة الطاقة وشركات الكهرباء والأجهزة الأمنيّة لضبط حالات العبث من جهة ودعم عمليّات التحصيل من جهة أخرى. فشركات المياه والكهرباء لديها استثمارات أردنيّة عربيّة أجنبيّة مشتركة يجب حمايتها والحفاظ عليها.
من يظنّ أنّ سرقات الكهرباء والمياه محصورة في مناطق معيّنة بالمحافظات فهو واهم، ففي عمّان العاصمة وضواحيها مئات الحالات العلنيّة الّتي لا يجرؤ أحد على التصدّي الحقيقيّ والقويّ لها.
تشديد الدولة في تحصيل حقوق الخزينة هو أولويّة العمل للإدارة الماليّة في الحكومة. فبدلاً من رفع الرسوم والضرائب، فلتحصل الحكومة أموالها من المعتدين على شبكات الكهرباء والمياه والمتهرّبين ضريبيّاً. حينها، صدّقوني، لن تكون هناك حاجة لرفع أيّ أسعار، وحتّى لو تمّت، فإنّها ستنطلق ضمن إطار التعامل بعدالة مع الجميع.