لا يخفى على أحد أن الضغوط الاقتصادية تتزايد يوماً بعد يوم على الأمن المعيشي للأردنيين، وأن العاملين منهم يعانون من تلك الضغوطات لأسباب مختلفة يطول شرحها بالتفصيل، لكن أهم أسبابها هي ثبات معدلات الدخل في السنوات الأخيرة مع ارتفاع تكاليف الأسعار من جهة، وتزايد مشهد الاستهلاك اليومي للأسر الأردنية وبشكل يفوق دخلها الأساسي من جهة أخرى.
طبعاً، غياب مؤسسات معنية بحماية المستهلك بالشكل الصحيح، وفقدان عمليات التوعية والإرشاد الاستهلاكي هو الآخر عزز ثقافة الاستهلاك المتزايد وغير المنظم، وشوه السلوك الاستهلاكي الذي لا يتناسب مع الدخل أبداً.لكن أمام هذا المشهد، يكمن العلاج في اتخاذ إجراءات تسهم بقدر الإمكان في التخفيف من تداعيات الأسعار وتوفير مخصصات مالية جديدة للأسر المستحقة للمساعدة. وهذا الأمر يتطلب قاعدة بيانات حقيقية ودقيقة عن واقع تلك الأسر المعيشي.وقد يستدعي ذلك، على ضوء التحديات الراهنة التي يشهدها الاقتصاد الوطني وتداعيات الأزمات الإقليمية والدولية عليه، العمل على إيجاد منظومة جديدة للأمان الاجتماعي تختلف كثيراً عن سابقاتها.ولا يوجد حقيقة ما يمنع الحكومة من إعادة النظر في برامج الرعاية القائمة والعمل على تبويبها من جديد بما يتناسب مع شكل التحديات الراهنة، خاصة من قبل المؤسسات الدولية وعلى رأسها صندوق النقد الدولي الذي أقر للحكومة كل حزم الدعم المالي التي قدمت في إطار الموازنة العامة والتي تصب في تعزيز الأمن الاجتماعي.بقاء المشهد المعيشي الراهن على حاله دون تدخل جراحي عميق من قبل الحكومة وأجهزتها المختلفة، وعلى ضوء التحديات المتزايدة، سيترك آثارا اجتماعية سلبية على الأمن المعيشي للمواطنين. وقد يتكرر المشهد على النحو السابق الذي كان فيه الوضع معمولاً به ببرامج التصحيح طيلة عقد التسعينيات.وحتى لا يتكرر مشهد جيوب الفقر المنتشرة أصلاً في جميع أنحاء المحافظات والتي يدور حولها آلاف المتعطلين عن العمل، لا بد أن تتدارك الحكومة هذا الوضع باستحداث شبكة أمان اجتماعي تكون قادرة على امتصاص التداعيات السلبية الاجتماعية على معيشة الأردنيين.شبكة الأمان يجب أن تكون خطتها من ضمن الموازنة العامة، بمعنى أن يتم رصد المخصصات الكافية لها طيلة عمل برنامج التصحيح. وفي هذا الإطار، لا بد من تطوير المضمون النوعي لشبكة الأمان بحيث تتضمن فكراً إنتاجياً جديداً للأردنيين. هذا الفكر يعيد في النهاية بناء الطبقة الوسطى من جهة، ويساعد الطبقة الفقيرة على التطور والتقدم للأمام من جهة أخرى.شبكة الأمان المقترحة يجب أن تكون ذات صلة باستراتيجية التشغيل وبصندوق تنمية المحافظات. فالهدف هو خلق برامج تدريبية وتأهيلية للمتعطلين عن العمل والخريجين معاً، والابتعاد عن سياسة الأعطيات ومؤسسة المنح والهبات التي لا تجدي نفعاً. قد تكون الاستراتيجية الوطنية للحماية الاجتماعية بارقة أمل نحو هذا الهدف السامي.لا يمكن ترك شريحة واسعة من الأسر عرضة للتقلبات الاقتصادية وتداعيات الأزمات المتزايدة. لابد من مواجهتها مباشرة، حتى لو اضطرت الحكومة لتقديم زيادة في الدعم النقدي للأسر المحتاجة على نحو استثنائي خلال الفترة الحالية أو القصيرة المقبلة.
برامج حماية اجتماعية جديدة
مدار الساعة (الغد) ـ