منذ 100 سنة، والإنسان العربي يموت دون سبب، في أغلب حروبه غير المقدسة، وعدا ما يمكن وصفه بالحروب المقدسة ضد الاحتلالات، فإن أغلب الحروب، دفعت الشعوب ثمنها.
خذوا مثلا الحرب في سورية، حيث ملايين السوريين دفعوا ثمن حرب، لا ناقة لهم فيها ولا جمل، الملايين قتلوا وتشردوا، وتم هدم بيوتهم، والنظام السوري، وعواصم الإقليم، وكل أجهزة العالم تطاحنت في سورية، لاعتباراتها، فيما دفع الملايين الثمن، ولا يتذكرهم أحد، بل أن سورية تستعد للعودة للنظام الرسمي العربي، فيما ذهب الناس، فرق حسابات في هذا الصراع الدموي، الذي قاده جنرالات الجيش السوري، وتورط فيه جنرالات المعارضة، والأجهزة الأمنية الدولية.
استيقظنا يوم أمس على بداية حرب عسكرية أهلية في السودان، بين الجيش السوداني الذي يرأسه رئيس مجلس السيادة السوداني والقائد العام للجيش الجنرال عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع التي يقودها الجنرال محمد حمدان دقلو الشهير باسم حميدتي، وصراع الجنرالين هنا، قد يؤدي الى حرب دموية في السودان، بدأت شرارتها في شهر رمضان، ولا أحد يعرف إلى اين تصل الأمور، وكأن السودان مكتوب عليه، أن يبقى تحت خط الحياة طوال عمره.
عودوا مثلا إلى قصة العراق، عقد كامل من الحرب مع إيران، خسر فيها الملايين حياتهم، أو جرحوا، أو تهدمت بيوتهم في العراق وإيران، فوق الخسائر الاقتصادية المقدرة بمبالغ فلكية، ملايين الافراد تم تدمير حياتهم، في حروب عليك أن لا تصدق ما تقوله الروايات الرسمية، حول أسباب بدايتها وأسباب نهايتها، لان الخلاصة واحدة، أي الملايين من أبناء المنطقة، بلا وزن أو اعتبار في موازين الانظمة، أو من يخططون لهذه المنطقة آناء الليل وأطراف النهار.
اذهبوا للحرب الأهلية في لبنان، واحصوا خسائر اللبنانيين والفلسطينيين والسوريين، وصراعات الجنرالات على الأرض اللبنانية، والخسائر الاقتصادية، وتشظي البنية الوطنية والدينية والمذهبية، والهوية الاجتماعية، والكم الهائل من الغضب والاحقاد والرغبة بالثأر من كل شيء، وارتحلوا من لبنان إلى ليبيا، واحصوا خسائر الليبيين على صعيد انقسام وتشظي البلد، وموت وهجرة الليبيين، وصراع الجنرالات أيضا، في بلد ثري جدا، لكنه مبتلى بكل هذا الخراب، ومن هناك وجهوا وجوهكم نحو اليمن، حيث الصراع السياسي بين شمال وجنوب اليمن، ممتد على مدى عقود، بأنماط مختلفة، وسجلوا خسائر اليمنيين، على صعيد حياة الأفراد، ووحدتهم، واقتصادهم في حروب لا تسمن ولا تغني من جوع، حيث لا يجد الطفل اليمني، مثل اقرانه في لبنان، وليبيا، ودول ثانية، حبة الدواء، ويشقى في تأمين رغيف الخبز لهذه الشعوب المبتلاة.
أوروبا، وقعت في حروب كبرى حصدت حياة عشرات الملايين، لكنها توقفت، ونهضت مجددا، ونحن في المنطقة، ومنذ 100 سنة، لا نجيد سوى التورط في الحروب، وليتها حروب مقدسة، مثلا، أو حروب ذات جدوى استراتيجية، إذ أغلبها مجرد حروب وقعت بأوامر من عواصم كبرى، أو عبث أجهزة أمنية عالمية، وبوجود عملاء لهذه الدول في مراكز القرار، وفي حالات تعبيرا عن صراعات عسكرية وقبلية، للسطو على سلطة تعيش بمعايير زمن الكهوف والمغائر.
نحن ايها السادة، نموت في هذه المنطقة دون سبب، وفي الدين مثلا، لا يموت الإنسان دون سبب، بل أن استشهاده يكون لهدف أو غاية سماوية محددة ومقدسة، تكون الجنة مكافأة عليها، وهذا يعني أن الموت هنا يجب أن يكون استثمارا مجديا مفيدا للشخص وللامة، وليس فعلا عبثيا، فيما أهل هذه المنطقة يموتون مجانا، ويتم حرقهم مثل الفراش، فوق مواقد الحطب.
ماذا استفاد السوريون اليوم، وكل المنطقة تغازل النظام السوري، من أجل إعادة تأهيله، والإجابة يعرفها الكل، فلا وزن للإنسان، ولا اعتبار، ولا قيمة، وتذهب حياته وحقوقه أدراج الرياح.
والسؤال ينطبق على كل حروبنا الصغيرة والكبيرة.