تشير جميع التوقعات والسيناريوهات الاقتصادية إلى استمرار مسلسل الانكماش الاقتصادي في أميركا حتى نهاية النصف الأول من العام، والأسوأ أنها تتوقع الوصول إلى حالة الركود في النصف الثاني. في المحصلة، سيكون هناك استغناء عن موظفين بالجملة وبأعداد كبيرة خلال هذه الفترة وتمتد إلى الأشهر القادمة.
هذا في أميركا، ماذا عن الأردن؟
حالة الركود التضخمي التي ستسود المشهد الاقتصادي العالمي ستلقي بتداعياتها على الاقتصاد العالمي، والأردن جزء يتأثر كثيراً بتطورات المشهد الإقليمي والدولي. فالصادرات الوطنية للولايات المتحدة هي الأكبر وبحجم يتجاوز 1.7 مليار دينار، وبنسبة تناهز الـ20 % من إجمالي الصادرات الوطنية، وهي مركزة بشكل أساسي على قطاع المحيكات. وقد يتأثر هذا القطاع وصادراته إلى هناك بشكل كبير خاصة في ضوء المنافسة الشديدة لها من قبل صادرات الشرق الأقصى.
استمرار حالة عدم اليقين في الاقتصاد العالمي وتطورات الأزمة الروسية الأوكرانية ستلقي بظلالها بشكل سلبي على تقلبات الأسعار في الأسواق العالمية، خاصة للسلع الأساسية من نفط وغاز ومواد غذائية وتكلفة الشحن وغيرها من الأمور التي تشكل جزءاً أساسياً في المشهد الاقتصادي وتساهم في تشكيل حالة الاستقرار لأي اقتصاد.
الاقتصاد الوطني الأردني سريع التأثر بهذه الإشكاليات لدرجة أنها باتت عناوين أساسية بشكل عام، ولها دلالات عميقة حول طبيعة التحديات التي تسيطر على شكل الاقتصاد في المرحلة الراهنة، مما قد يرتب أعباء كبيرة على الخزينة نتيجة تنامي مخصصات الدعم لبعض المواد والسلع، وتراجع تنافسية السلع الأردنية في الأسواق الخارجية، نتيجة الكلف المتزايدة التي سيتحملها القطاع الخاص.
أزمة السيولة في العالم والضغوطات المالية التي تتعرض لها البنوك في مختلف دول العالم لا شك أنها ستكون ضاغطة على مدى توفر السيولة المتاحة للقطاعين العام والخاص في المرحلة المقبلة. وهذا سيشكل تحدياً أمام حكومات الدول المختلفة في توفير مساحات مالية جديدة لها تمكنها من مواجهة التحديات المالية الضاغطة عليها نتيجة الاضطرابات والتقلبات في الأسواق العالمية.
والسيولة لن تشكل ضغطاً فقط على الخزينة، ولكنها قد تمتد للقطاع الخاص الذي سيتلقى هو الآخر ضغوطاً وتحديات جسيمة من كل صوب قد تؤثر على استمرارية عمل بعض القطاعات أو التوقف عن توسع الإنتاجي والاستثماري له، مما سيكون عقبة رئيسية أمام برامج التشغيل والتوظيف الموجهة لمحاربة البطالة والفقر في المستقبل القريب.
حتى قطاع التعدين وحالة النمو الاستثنائي التي حصلت في شركاته الرئيسية مثل الفوسفات والبوتاس، لن تتمكن هذه الشركات من الحفاظ على مستوياتها الربحية غير المسبوقة في الفترات القادمة نتيجة انخفاض أسعار منتجاتها التصديرية في الأسواق العالمية بنسب كبيرة.
التحديات السابقة ستكون ضاغطة على الخزينة التي تعاني من عجز مزمن إضافة إلى نمو مستمر وغير منضبط في بعض النفقات. مما يستلزم تسريع تدخلات جراحية اقتصادية عميقة في هيكل الاقتصاد من خلال تحسين منظومة الاستثمار وتحفيز بيئة الأعمال المحلية، وزيادة الحوافز الإنتاجية، ومواصلة الإصلاحات الضريبية والجمركية وتوسيع قاعدة الشمول الضريبي وسد جميع ثغرات التهرب والتجنب الضريبي، حتى تتمكن الخزينة من توفير عوائد مالية جديدة تعوض أي نقص محتمل في التحصيل من بعض القطاعات، إضافة إلى توسيع قاعدة المستثمرين الجدد في النشاط الاقتصادي المحلي.